{لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ} من عدم تحققهم بمقام التوحيد، وعدم تنبههم بمرتبة الفناء في الله: {إِنَّ ٱللَّهَ} المنزه عن التعدد، بل عن العدد مطلقاً {ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} واحد منها وأراد بالثلاثة هو ومريم وعيسى {وَ} الحال أنه {مَا مِنْ إِلَـٰهٍ} أي: في الوجود موجود {إِلاَّ إِلَـٰهٌ} موجود {وَاحِدٌ} محير للعقول والأبصار، ماحٍ لظلال السّوى الأغيار {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ} هؤلاء الظَّلَمة {عَمَّا يَقُولُونَ} من التثليث والتعدد في الألوهية {لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ} أي: بقوا على كفرهم بلا إيمان إلى أن ماتوا عليه {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73] لا عذاب أشد منه، وهو حرمانهم عن مرتبة التوحيد التي هي مرتبة الخلافة والنيابة، أتصرون على هذا الكفر والضلال؟
{أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ} ولا يؤمنون له {وَ} لا {يَسْتَغْفِرُونَهُ} عمَّا صدر عنهم من الجرائم العظام؟ حتى تقبل توبتهم وإيمانهم {وَٱللَّهُ} المنزه في ذاته عن كفرهم وإيمانهم {غَفُورٌ} لهم إن أخلصوا في توبتهم وإيمانهم {رَّحِيمٌ} [المائدة: 74] لهم، يقبل توبتهم ولم يأخذهم على ما صدر عنهم بعدما تابوا.
{مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ} من الرسل العظام {قَدْ خَلَتْ} مضت {مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ} مثله: ولم ينسبهم أحد إلى ما نسبوه {وَأُمُّهُ} أيضاً {صِدِّيقَةٌ} مقبولة عند الله، قد مضت مثلها كثيرة من الصادقات المقبولات، لم ينسبها أحد إلى ما نسبتموها وبالجلمة: كيف ينسبونها إلى الألوهية {كَانَا} مركَّبان {يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ} بدلاً لا يتحلل والإله منزةٌ عن التركيب والتحليل، والأكل والشرب، والأبوة والأمومة وغيرها من أوصاف البشر {ٱنْظُرْ} أيها الناظر متعجباً {كَيْفَ نُبَيِّنُ} ونوضح {لَهُمُ ٱلآيَاتِ} الدلائل القاطعة، الدالة على عدم ليقاتها بمرتبة الألوهية، مع أنه لا حاجة إلى الدليل أصلاً عند من له أدنى درية {ثُمَّ ٱنْظُرْ} وازدد في تعجبك {أَنَّىٰ} كيف {يُؤْفَكُونَ} [المائدة: 75] يصرفون وجوه عقولهم عن طريق الحق وإسماع كلمة التوحيد.