التفاسير

< >
عرض

فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ
١١
وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ
١٢
وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ
١٣
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ
١٤
وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
١٥
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
١٦
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
١٧
كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
١٨
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ
١٩
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ
٢٠
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٢١
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٢٢
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ
٢٣
فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ
٢٤
أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
٢٥
سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ
٢٦
إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ
٢٧
-القمر

تفسير الجيلاني

وبعدما قنط، وبلغ الزجر غايته تضرع نحونا، مشتكياً من قومه { فَفَتَحْنَآ } لانتقامهم وهلاكهم { أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } [القمر: 11] منصب، كأنه يجري من جانب السماء.
{ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } أي: فجرنا عيون الأرض، وصيرناها كأنها عيوناً كلها { فَالْتَقَى ٱلمَآءُ } الحاصل من كلا الجانبين، وبلغا { عَلَىٰ أَمْرٍ } حال واحد { قَدْ قُدِرَ } [القمر: 12] أي: قدره الله في حضرة علمه وقضائه؛ لإهلاك أولئكك الطغاة البغاة.
{ وَ } بعدما طغى الماء، وطاف حول الأرض { حَمَلْنَاهُ } أي: نوحاً ومن تبعه { عَلَىٰ } سفينة { ذَاتِ أَلْوَاحٍ } أخشاب عراض { وَدُسُرٍ } [القمر: 13] مسامير طوال { تَجْرِي } السفينة { بِأَعْيُنِنَا } وكنف حفظنا وحضانتنا.
وإنما فعلنا مع نوح وقومه ما فعلنا؛ ليكون { جَزَآءً } حسناً له ولمن آمن به، وسيئاً { لِّمَن كَانَ كُفِرَ } [القمر: 14] بنعمة هدايته وإرشاده، ولم يؤمن بدينه، ولم يصدقه في تبليغه.
{ وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا } أي: السفينة والفعلة التي فعلناها مع المكذبين لرسلنا، المجترئين علينا بالإنكار والكفران { آيَةً } دالة على قدرتنا على أنواع الإنعام والانتقام { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر: 15] يتذكر بها، ويعتبر منها.
وبالجملة: { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي } للمنكرين المصرين على الإنكار والتكذيب { وَنُذُرِ } [القمر: 16] أي: إنذاري وتخويفي على من يعتبر منهم، ومما جرى عليهم من العقوبات.
{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ } وسهلناه { لِلذِّكْرِ } أي: لأنواع التذكيرات والمواعظ، والعبر والأمثال { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر: 17] يتعظ به، ويتذكر مما فيه ويعتبر.
{ كَذَّبَتْ عَادٌ } كذلك هوداً عليه السلام { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي } إياهم { وَنُذُرِ } [القمر: 18] وإنذاري لمن بعدهم بما جرى عليهم.
{ إِنَّآ } بمقتضى عظيم قهرنا وجلالنا { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ } حين أردنا انتقامهم وإهلاكهم { رِيحاً صَرْصَراً } بارداً، شديد الجري والصوت { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } شؤم منحوس { مُّسْتَمِرٍّ } [القمر: 19] شؤمه ونحوسه عليهم إلى أن يستأصلوا بالمرة.
ومن شدة جريها وحركتها { تَنزِعُ } وتقلع { ٱلنَّاسَ } عن أماكنهم، مع أنهم دخلوا في الحفر، وتشبثوا بالأثقال { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ } أي: أصول نخل { مُّنقَعِرٍ } [القمر: 20] منقلب عن مغارسه، ساقط على الأرض، موتى بلا روح.
{ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي } إياهم { وَنُذُرِ } [القمر: 21] أي: بمن بعدهم.
{ وَ } الله { لَقَدْ يَسَّرْنَا } أي: سهلنا وأنزلنا { ٱلْقُرْآنَ } المعجز { لِلذِّكْرِ } والاتعاض { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر: 22] متذكر، يتعظ به.
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } [القمر: 23] أي: الإنذارات الصادرة من لسان صالح عليه السلام بمقتضى الوحي والإلهام الإلهي { فَقَالُوۤاْ } في تعليل تكذيبهم على الرسول: { أَبَشَراً } ناشئاً { مِّنَّا } أي: من جنسنا { وَاحِداً } منفرداً، لا تبع له ولا رهط { نَّتَّبِعُهُ } نؤمن به ونقاد له، مع أنه لا مزية له علينا، لا بالحسب ولا بالنسب، والله { إِنَّآ } إن فعلنا هكذا { إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ } عظيم، وغواية عن مقتضى العقل والدراية { وَسُعُرٍ } [القمر: 24] أي: كنا في جنون عظيم بمتابعة هذا المرذول المفضول.
ثمَّ استفهموا على شدة سبيل الإنكار والاستهزاء، والاستبعاد والمراء: { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ } الوحي والكتاب من السماء { عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } من كمال رذالته ورداءته، والحال أن فينا من هو أحق به، وأولى منه، وبالجملة: ما هو بمقتضى حمله إلاَّ مجنون مخبط، مختل العقل والرأي { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ } متبالغ في الكذب والافتراء، غايته { أَشِرٌ } [القمر: 25] بطر، متناه في الشرارة، يريد بافترائه واختلافه هذا أن يتكبر علينا، ويتفوق بنا، مع كمال تناهيه في الرثاثة والرذالة، وبالجملة: ما هو إلاَّ من كمال بطره وشرارته.
وهم يقولون في حقه ما يقولون من أمثال هذه الهذيانات والمفتريات الباطلة، إلاَّ أنهم { سَيَعْلَمُونَ غَداً } حين نزول العذاب العاجل والآجل { مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } [القمر: 26] البطر المباهي ببطره، حيث أعرض عن الحق، وأصرَّ على الباطل اغتراراً، أصلح هو أم من كذبه، وأنكر عليه قوله؟!
ثمَّ قال سبحانه لنبيه صالح عليه السلام بعدما بالغوا في العتو والعناد، واقترحوا منه بإخرج الناقة من الصخرة تهكماً وتعجيزاً: { إِنَّا } بمقتضى كمال قدرتنا وقوتنا { مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ } ومخرجوها من الصخرة، وباعثوها { فِتْنَةً } عظيمة، واختباراً { لَّهُمْ } وأوصاهم في شأنها ما لأوصاهم { فَٱرْتَقِبْهُمْ } يا صالح، وانتظر ماذا يفعلون بها { وَٱصْطَبِرْ } [القمر: 27] على أذياتهم.