التفاسير

< >
عرض

وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ
٢٨
فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ
٢٩
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٠
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ
٣١
وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٣٢
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ
٣٣
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ
٣٤
نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ
٣٥
وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ
٣٦
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٧
وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ
٣٨
فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٩
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ
٤٠
وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ
٤١
كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ
٤٢
أَكُفَّٰرُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ
٤٣
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ
٤٤
-القمر

تفسير الجيلاني

{ وَنَبِّئْهُمْ } أخبرهم وأعملهم بوحي منا { أَنَّ ٱلْمَآءَ } الذي به معاشهم ومعاش مواشيهم { قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } أي: مقسومة بين الناقة وبينهم، ومواشيهم لها يوم، ولهم يوم { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } [القمر: 28] أي: كل صاحب شرب، يحضر الماء في يومه، ولا يحضره غيره فيه.
ثمَّ لما صاروا على هذه القسمة زماناً، اضطروا وتضجروا { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ } قدار بن سالف، فتشاوروا معه في أمر الناقشة، واضطرارهم ومواشيهم في هذه القسمة { فَتَعَاطَىٰ } وأخذ سيفه قدار مغاضباً، وكان من أجرأهم على الخطوب، وأشجعهم على الوقائع { فَعَقَرَ } [القمر: 29] أي: قدار، الناقة.
ولم يبال بالقسمة الإلهية { فَكَيْفَ كَانَ } يعني: انظر كيف وقع { عَذَابِي } عليهم { وَ } لحق { نُذُرِ } [القمر: 30] أياهم، بعدما عقروا الناقة.
وبالجملة: { إِنَّآ } بمقتضى قهرنا وغضبنا { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً } هائلة مهولة { فَكَانُواْ } إثر سماع تلك الصيحة الهائلة { كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } [القمر: 31] أي: مثل الأشجار اليابسة البالية في حظائر الأموات، تتناثر أجسامهم كالتراب.
{ وَ } بالجملة: { لَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ } المشتمل على أنواع الرشد والهداية { لِلذِّكْرِ } والعظة { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر: 32] يتذكر ويتهدي بهدايته وتذكيره.
{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ } أيضاً أمثال أولئك المذكورين { بِٱلنُّذُرِ } [القمر: 33] أي: الإنذارات الواردة عليهم بلسان نبيهم لوط عليه السلام.
وبعد إصرارهم على تكذيبه وإنكاره { إِنَّآ } من شدة قهرنا وغضبنا { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ } من جانب السماء { حَاصِباً } ريحاً شديداً صرصراً عظيمة، ترميهم بالحصباء؛ أي: الأحجار الصغار إلى أن أ هلكوا بالمرة { إِلاَّ آلَ لُوطٍ } هو لوط عليه السلام وبنتاه { نَّجَّيْنَاهُم } من هذه الواقعة الهائلة، والكرب العظيم { بِسَحَرٍ } [القمر: 34] وقت الصبح.
وإنما نجيناهم { نِّعْمَةً } واصلة { مِّنْ عِندِنَا } إياهم، ورحمة شاملة من لدنا عليهم؛ بسبب إيمانهم وعرفانهم { كَذَلِكَ } أي: مثلما فعلنا مع آل لوط { نَجْزِي } بمقتضى جودنا عموم { مَن شَكَرَ } [القمر: 35] لنعمنا، ولم يكفر بموائد كرمنا.
{ وَ } الله { لَقَدْ أَنذَرَهُمْ } لوط عليه السلام بوحي منا إياه { بَطْشَتَنَا } وأخذنا إياهم؛ بسبب فعلتهم القبيحة، وديدنتهم الشنيعة { فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } [القمر: 36] أي: كذبوه على إنذاراته ووعيداته مراءً ومجادلة، واستهزاءً معه وبعموم ما أوحينا إليه من الوعيدات والإنذارات.
{ وَ } من شدة مرائهم معه، واجترائهم { لَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } وترددوا حول بيته، وقصدوا فجور أضيافه، ويمموا على تفضيحهم { فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } ومسخناها، وصيرناها مستوية مع وجوههم، فصاروا ممسوحي العيون.
رُوي أنهم لما دخلوا عنوة في داره، صفقهم جبريل صفقة، فأعماهم دفعة { فَذُوقُواْ } أي: فقلنا لهم حينئذٍ: ذوقوا { عَذَابِي وَنُذُرِ } [القمر: 37] المنذر به على لسان نبينا لوط عليه السلام.
{ وَلَقَدْ صَبَّحَهُم } ولحق بهم { بُكْرَةً } قريبة من الصبح { عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } [القمر: 38] مستمر عليهم إلا أن يستأصلهم ويسلمهم إلى النار.
{ فَذُوقُواْ عَذَابِي } أي: قلنا لهم حينئذٍ: ذوقوا عذابي أيها المفسدون المسرفون { وَ } ذوقوا { نُذُرِ } [القمر: 39] أي: أيها المنكرون المذكبون.
{ وَ } بالجملة: { لَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ } المبين أنواع الوعيدان الهائلة، الجارية على أصحاب السرف والعناد { لِلذِّكْرِ } أي: للعبرة والعظة { فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ } [القمر: 40] معتبر متعظ متيقظ، يعتبر من وعيدات القرآن وإنذاراته، وما ذكر فيه من الحكايات.
ثمَّ قال سبحانه: { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } [القمر: 41] أي: الإنذارات والواردة منا على كليمنا موسى المؤيَّد من لدنا بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة.
وبالجملة: { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا } المنزلة من عندنا كلها بعد اقتراحهم بها، وإلحاحهم عليها، ونسبوها إلى السحر والشعبذة، وأنواع الخرافات الباطلة، البعيدة عن شأنها { كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ } وانتقمنا عنهم بعدما بالغوا في العتو والعناد { أَخْذَ عِزِيزٍ } غالب لا يغالب مطلقاً { مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 42] كامل في القدرة، بحيث لا يعجز عن مقدور قط، واستأصلناهم إلى حيث لم يبق منهم أحد على وجه الأرض.
ثمَّ خاطب سبحانه كفار مكة على سبيل التوبيخ والتهديد، فقال: { أَكُفَّٰرُكُمْ } يا معشر العرب { خَيْرٌ } وأضل مطلقاً { مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ } الكفار المعدودين المذكورين وجاهة وثروة، مالاً ومظاهرة، مكنة ومكانة، ثمَّ إنكم لستم أمثالهم، وهم من شدة قوتهم وشوكتهم، ما نجوا من عذاب الله، أتنجون أنتم { أَمْ } نزل { لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } [القمر: 43] السماوية والكتب الإلهية، إن من كفر منكم، وخرج عن مقتضى الحدود الإلهية، فهو ناج من عذاب الله، بريء عن انتقامه؟!
{ أَمْ يَقُولُونَ } من كمال حماقتهم، وركاكة رأيهم: { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } [القمر: 44] أي: نحن جماعة مجتمعون متفقون، أمرنا واحد، رأينا متفق، ننصر وننتصر بعضنا ببعض، بجيث لا نغالب ولا نرام أصلاً.