{ وَنَبِّئْهُمْ } أخبرهم وأعملهم بوحي منا { أَنَّ ٱلْمَآءَ } الذي به معاشهم ومعاش مواشيهم { قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } أي: مقسومة بين الناقة وبينهم، ومواشيهم لها يوم، ولهم يوم { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } [القمر: 28] أي: كل صاحب شرب، يحضر الماء في يومه، ولا يحضره غيره فيه.
ثمَّ لما صاروا على هذه القسمة زماناً، اضطروا وتضجروا { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ } قدار بن سالف، فتشاوروا معه في أمر الناقشة، واضطرارهم ومواشيهم في هذه القسمة { فَتَعَاطَىٰ } وأخذ سيفه قدار مغاضباً، وكان من أجرأهم على الخطوب، وأشجعهم على الوقائع { فَعَقَرَ } [القمر: 29] أي: قدار، الناقة.
ولم يبال بالقسمة الإلهية { فَكَيْفَ كَانَ } يعني: انظر كيف وقع { عَذَابِي } عليهم { وَ } لحق { نُذُرِ } [القمر: 30] أياهم، بعدما عقروا الناقة.
وبالجملة: { إِنَّآ } بمقتضى قهرنا وغضبنا { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً } هائلة مهولة { فَكَانُواْ } إثر سماع تلك الصيحة الهائلة { كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } [القمر: 31] أي: مثل الأشجار اليابسة البالية في حظائر الأموات، تتناثر أجسامهم كالتراب.
{ وَ } بالجملة: { لَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ } المشتمل على أنواع الرشد والهداية { لِلذِّكْرِ } والعظة { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر: 32] يتذكر ويتهدي بهدايته وتذكيره.
{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ } أيضاً أمثال أولئك المذكورين { بِٱلنُّذُرِ } [القمر: 33] أي: الإنذارات الواردة عليهم بلسان نبيهم لوط عليه السلام.
وبعد إصرارهم على تكذيبه وإنكاره { إِنَّآ } من شدة قهرنا وغضبنا { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ } من جانب السماء { حَاصِباً } ريحاً شديداً صرصراً عظيمة، ترميهم بالحصباء؛ أي: الأحجار الصغار إلى أن أ هلكوا بالمرة { إِلاَّ آلَ لُوطٍ } هو لوط عليه السلام وبنتاه { نَّجَّيْنَاهُم } من هذه الواقعة الهائلة، والكرب العظيم { بِسَحَرٍ } [القمر: 34] وقت الصبح.
وإنما نجيناهم { نِّعْمَةً } واصلة { مِّنْ عِندِنَا } إياهم، ورحمة شاملة من لدنا عليهم؛ بسبب إيمانهم وعرفانهم { كَذَلِكَ } أي: مثلما فعلنا مع آل لوط { نَجْزِي } بمقتضى جودنا عموم { مَن شَكَرَ } [القمر: 35] لنعمنا، ولم يكفر بموائد كرمنا.
{ وَ } الله { لَقَدْ أَنذَرَهُمْ } لوط عليه السلام بوحي منا إياه { بَطْشَتَنَا } وأخذنا إياهم؛ بسبب فعلتهم القبيحة، وديدنتهم الشنيعة { فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } [القمر: 36] أي: كذبوه على إنذاراته ووعيداته مراءً ومجادلة، واستهزاءً معه وبعموم ما أوحينا إليه من الوعيدات والإنذارات.
{ وَ } من شدة مرائهم معه، واجترائهم { لَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } وترددوا حول بيته، وقصدوا فجور أضيافه، ويمموا على تفضيحهم { فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } ومسخناها، وصيرناها مستوية مع وجوههم، فصاروا ممسوحي العيون.
رُوي أنهم لما دخلوا عنوة في داره، صفقهم جبريل صفقة، فأعماهم دفعة { فَذُوقُواْ } أي: فقلنا لهم حينئذٍ: ذوقوا { عَذَابِي وَنُذُرِ } [القمر: 37] المنذر به على لسان نبينا لوط عليه السلام.
{ وَلَقَدْ صَبَّحَهُم } ولحق بهم { بُكْرَةً } قريبة من الصبح { عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } [القمر: 38] مستمر عليهم إلا أن يستأصلهم ويسلمهم إلى النار.
{ فَذُوقُواْ عَذَابِي } أي: قلنا لهم حينئذٍ: ذوقوا عذابي أيها المفسدون المسرفون { وَ } ذوقوا { نُذُرِ } [القمر: 39] أي: أيها المنكرون المذكبون.
{ وَ } بالجملة: { لَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ } المبين أنواع الوعيدان الهائلة، الجارية على أصحاب السرف والعناد { لِلذِّكْرِ } أي: للعبرة والعظة { فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ } [القمر: 40] معتبر متعظ متيقظ، يعتبر من وعيدات القرآن وإنذاراته، وما ذكر فيه من الحكايات.
ثمَّ قال سبحانه: { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } [القمر: 41] أي: الإنذارات والواردة منا على كليمنا موسى المؤيَّد من لدنا بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة.
وبالجملة: { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا } المنزلة من عندنا كلها بعد اقتراحهم بها، وإلحاحهم عليها، ونسبوها إلى السحر والشعبذة، وأنواع الخرافات الباطلة، البعيدة عن شأنها { كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ } وانتقمنا عنهم بعدما بالغوا في العتو والعناد { أَخْذَ عِزِيزٍ } غالب لا يغالب مطلقاً { مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 42] كامل في القدرة، بحيث لا يعجز عن مقدور قط، واستأصلناهم إلى حيث لم يبق منهم أحد على وجه الأرض.
ثمَّ خاطب سبحانه كفار مكة على سبيل التوبيخ والتهديد، فقال: { أَكُفَّٰرُكُمْ } يا معشر العرب { خَيْرٌ } وأضل مطلقاً { مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ } الكفار المعدودين المذكورين وجاهة وثروة، مالاً ومظاهرة، مكنة ومكانة، ثمَّ إنكم لستم أمثالهم، وهم من شدة قوتهم وشوكتهم، ما نجوا من عذاب الله، أتنجون أنتم { أَمْ } نزل { لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } [القمر: 43] السماوية والكتب الإلهية، إن من كفر منكم، وخرج عن مقتضى الحدود الإلهية، فهو ناج من عذاب الله، بريء عن انتقامه؟!
{ أَمْ يَقُولُونَ } من كمال حماقتهم، وركاكة رأيهم: { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } [القمر: 44] أي: نحن جماعة مجتمعون متفقون، أمرنا واحد، رأينا متفق، ننصر وننتصر بعضنا ببعض، بجيث لا نغالب ولا نرام أصلاً.