التفاسير

< >
عرض

إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ
١
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ
٢
خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ
٣
إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً
٤
وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً
٥
فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً
٦
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً
٧
فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ
٨
وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ
٩
وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
١٢
ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
١٤
عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ
١٥
مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ
١٦
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
١٧
-الواقعة

تفسير الجيلاني

اذكر يا أكمل الرسل للمعتبرين من المكلفين وقت: { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [الواقعة: 1] العظمى الموعودة، وحديث الطامة الكبرى المعهودة من لدنه سبحانه، مع أنه { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا } حين وقوعها نفس { كَاذِبَةٌ } [الواقعة: 2] تكذبها، كما تكذب بها الآن.
وليس أيضاً لوقوعها حين وقوعها نفس { خَافِضَةٌ } تخفضها بالتردد فيها ولا نفس { رَّافِعَةٌ } [الواقعة: 3] ترفعهم بالجزم بها، بل وقعت حين وقعت حتماً بلا ريب وتردد، وبلا خفض أحد ورفع آخر.
اذكر يا أكمل الرسل لمن أنكر وقوعها، وتردد فيها نبذا من أماراتها وأشراطها وقت: { إِذَا رُجَّتِ } وحركت { ٱلأَرْضُ رَجّاً } [الواقعة: 4] تحريكاً شديداً عنيفاً بحث انهدمت ما عليها من الأبنية المحكمة والبقاع المشيدة.
{ وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ } أي: تشتت وتفتت أجزاؤها { بَسّاً } [الواقعة: 5] تفتتاً تاماً وتشتتاً كاملاً بحيث اضمحلت أجزاؤها، وتلاشت وصارت كالسويق الملتوت.
وبالجملة: { فَكَانَتْ } الجبال التي عليها { هَبَآءً } هشيماً غباراً { مُّنبَثّاً } [الواقعة: 6] منتثراً منتشراً متفرقاً، بحث تلاشت هويات ما عليها مطلقاً.
{ وَكُنتُمْ } حينئذ أيها المكلفون المعتبرون { أَزْوَاجاً } وأصنافاً { ثَلاَثَةً } [الواقعة: 7] حسب معاشكم في النشأة الأولى.
{ فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } أي: اليُمن والكرامة من الأخيار الأبرار المحسنين بصوالح الأعمال والأحوال ومحامد الأخلاق والأطوار { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [الواقعة: 8] أي: ما أعظم شأنهم وإكرامهم، وأحسن حالهم بيمنهم وسعادتهم الشاملة لهم حسب اتصافهم بصالحات الأعمال، وبالاعتقادات الصحيحة والأخلاق المرضية.
{ وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } والشمال؛ أي: ملازمو الشآمة والملامة، وأنواع الندامة والخذلان، من المفسدين المسرفين، المصرين على أنواع الكفر والفسوق وأصناف العصيان والآثام من مفاسد العقائد، ومقابح الشيم والأخلاق { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } [الواقعة: 9] أي: ما أقبح حالهم أشد عذابهم، ونكالهم وشآمتهم وشقاوتهم المستمرة عليهم بشؤم مكاسبهم ومفاسدهم.
{ وَٱلسَّابِقُونَ } المبادرون نحو الحق من طريق الفناء، الباذلون مهجهم في سبيله إلى الدرجات الإرادية شوقاً إلى لقائه هم { ٱلسَّابِقُونَ } [الواقعة: 10] المقصورون على السبق والحضور مع الله بلا توجه منهم إلى لوازم هوياتهم الباطلة وهياكلهم العاطلة.
{ أُوْلَـٰئِكَ } المقبولون هم { ٱلْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 11] عند الله المتنعمون { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [الواقعة: 12] أي: منتزهات الوحدة الذاتية التي هي اليقين العلمي والعيني والحقي.
وهؤلاء المقربون الواصلون إلى مقر الوحدة متفاوتون في القلة والكثرة، والدرجات العلية والمقدمات السنية بالنسبة إلى مسالكهم ومعارجهم لذلك { ثُلَّةٌ } أي: جماعة عظيمة { مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } [الواقعة: 13] أي: من الأمم السالفة، وهم الأبرار الذين تقربوا نحو الحق بتوحيد الصفات والأفعال.
{ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [الواقعة: 14] أي: حمع قليل بالنسبة إلى الأولين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم الذين وصلوا بل اتصلوا إلى الله سبحانه من طريق توحيد الذات، المسقط لعموم الإضافات والكثرات، وهؤلاء أعزك، وأقل وجوداً بالنسبة؛ أي: الأمم السالفة، لذلك وصفوا بالقلة، وبالجملة: كلهم على تفاوت طبقاتهم في منتزهات الوحدة متنعمون متمكنون: { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } [الواقعة: 15] مسوجة مشبكة حسب درجاتهم العلية ومقاماتهم السنية.
{ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا } أعلى تلك السرر { مُتَقَابِلِينَ } [الواقعة: 16] مع عموم كمالاتهم ومقاماتهم وحالاتهمه بلا ترقب منهم وانتظار لهم، ومع ذلك { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ } للمؤانسة { وِلْدَانٌ } صباح ملاح مصورون من حسنات أعمالهم وأخلاقهم { مُّخَلَّدُونَ } [الواقعة: 17] دائمون مستمرون على تلك الصور الصبيحة المليحة، لا يتغيرون، ولا يتحولون منها أصلاً كتغير ملاح الدنيا.