التفاسير

< >
عرض

بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
١٨
لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ
١٩
وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ
٢٠
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢١
وَحُورٌ عِينٌ
٢٢
كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ
٢٣
جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٤
لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً
٢٥
إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً
٢٦
وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ
٢٧
فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ
٢٨
وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ
٢٩
وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ
٣٠
وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ
٣١
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
٣٢
لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ
٣٣
وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ
٣٤
إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً
٣٥
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً
٣٦
عُرُباً أَتْرَاباً
٣٧
لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٣٨
ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
٣٩
وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
٤٠
وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ
٤١
فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ
٤٢
وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ
٤٣
لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ
٤٤
إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ
٤٥
وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ
٤٦
وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
٤٧
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
٤٨
قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ
٤٩
لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
٥٠
-الواقعة

تفسير الجيلاني

{ بِأَكْوَابٍ } يعني: يطوفون عليهم بكؤوس، وهي التي لا عرى لها { وَأَبَارِيقَ } وهي التي لها عرى مملوء من الماء القراح، المثمر للعلوم اللدنية لشاربيها { وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } [الواقعة: 18] أي: من رحيق التحقيق واليقين الذي { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } ولا يشوشون في تحصيلها كالعلوم المكتسبة { وَلاَ يُنزِفُونَ } [الواقعة: 19] ولا يسكرون منها، إلى حيث ينقطع تلذذهم بها من غاية سكرهم.
{ وَفَاكِهَةٍ } كثيرة { مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } [الواقعة: 20] أي: يختارون وينتخبون لأنفسهم من أنواع المعارف والحقائق والأحوال والمقامات التي تتلذذها أرواحهم من آثار الأسماء والصفات الإلهية.
{ وَلَحْمِ طَيْرٍ } يتقوت به أشباحهم { مِّمَّا يَشْتَهُونَ } الواقعة: 21].
{ وَ } لهم أيضاً للخدمة والمؤانسة { حُورٌ عِينٌ } [الواقعة: 22] مصورة من اعتقاداتهم الصحيحة الراسخة.
{ كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } [الواقعة: 23] المصون في أصداف أشباحهم.
وإنما يعطون فيها ما يعطون { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الواقعة: 24] من العمال الصالحة والأخلاق المرضية.
ومن كمال تنعمهم فيها وأمنهم وترفههم { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } باطلاً من الكلام بلا طائل { وَلاَ تَأْثِيماً } [الواقعة: 25] على سبيل الإلزام والإفحام.
{ إِلاَّ قِيلاً } وقولاً من كل جانب { سَلاَماً سَلاَماً } [الواقعة: 26] على وجه الترحيب والإكرام، هذا للمقربين السابقين.
{ وَ } أمّا { أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } [الواقعة: 27] أي أصحاب اليمن والكرامة وأنواع التعظيم والتكريم.
فهم أيضاً متنعمون { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 28] أي: نبق لا شوك له؛ لخلوص أعمالهم وحسناتهم عن شوك المنّ والأذى، والسمعة والرياء.
{ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [الواقعة: 29] أي: شجر موز منضد موفور الثمر، مرتب من أسفله إلى أعلاه لإيفائهم وتوفيرهم في كسب الحسنات وفعل الخيرات.
{ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [الواقعة: 30] إلهي لا يتقلص ولا يتفاوت؛ لدوامهم على مواظبة الطاعات، وملازمة العبادات.
{ وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } [الواقعة: 31] مصبوب لهم أين شاءوا، وكيف شاءوا، بلا تعب وترقب؛ لأنهم صاروا في إتيان الأعمال كذلك؛ طلبا لمرضاته.
{ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } [الواقعة: 32] مما يتفكه بها أرواحهم وأشباحهم { لاَّ مَقْطُوعَةٍ } منتهية كفواكه الدنيا.
{ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [الواقعة: 33] لتساوي نسبتها إلى الكل بلا تفاوت وتمانع؛ لإتيانهم بصوالح الأعمال والأخلاق على الدوام، بلا قطع ومنع.
{ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } [الواقعة: 34] ممهدة منضدة بعضها فوق بع ض؛ لرسوخهم وتمكنهم على الأحكام الإلهية المرتفعة بحسب الحكم والأسرار المودعة فيها.
ثم قال سبحانه على سبيل الامتنان: { إِنَّآ } من مقام عظم جودنا إياهم { أَنشَأْنَاهُنَّ } أي: أنشأنا لهم أزواجهم اللاتي كن في حجورهم في النشأة الأولى من صالحات النسوان والأعمال والأخلاق { إِنشَآءً } [الواقعة: 35] بديعاً عجيباً.
{ فَجَعَلْنَاهُنَّ } فيها { أَبْكَاراً } [الواقعة: 36] بحيث لم يمسهن بشر، ولم يتصف بهن أحد.
{ عُرُباً } متحننات لأزواجهن { أَتْرَاباً } [الواقعة: 37] مسويات السن مع أزواجهن في كمال سن الشباب.
كل ذلك { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } [الواقعة: 38] من الأبرار المحسنين بالأعمال والأخلاق، المخلصين فيها.
ومن هؤلاء في الجنات: { ثُلَّةٌ } جماعة عظيمة { مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } [الواقعة: 39] أي: الأمم الماضين.
{ وَثُلَّةٌ } عظيمة أيضاً { مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [الواقعة: 40] أي: من أمة سيد المرسلين؛ إذ طرق الأعمال والأخلاق مشتركة بين الأولين والآخرين، بخلاف طرق الأحوال والمواجيد والمشارب والأذواق.
{ وَ } أمَّا { أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } والشآمة المتصفون بالشقاوة الأزلية، المنهمكون بالقاذورات الإمكانية { مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } [الوقعة: 41] وما حالهم الفضيحة هم مخلدون { فِي سَمُومٍ } نار حارة مسعرة في غاية الحرقة والحرارة، بحيث تنفذ في مسامات أشباحهم كالريح السموم؛ لنفوذ لوازم الإمكان النافذة من مسامات أصحاب الغفلة والضلال، المنهمكين في اللذات والشهوات البهيمية الموهمة الموقعة لأنواع الفتن والطغيان { وَحَمِيمٍ } [الواقعة: 42] أي: ماء متناهٍ في الحرارة بحيث يقطع أمعاءهم، لو شربوا منه شربة بدل ما تلذذوا في النشأة الأولى بمقتضيات الأماني النفسانية والآمال الهيولانية الحاصلة من الجهل المفرط بسرائر التوحيد واليقين في النشأة الأولى.
{ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } [الواقعة: 43] حاصل من دخان أسود صاد من نار الجحيم.
{ لاَّ بَارِدٍ } كسائر الأظلال { وَلاَ كَرِيمٍ } [الواقعة: 44] نافع أمثالها.
وبالجملة: { إِنَّهُمْ } من شدة سكرتهم وغفلتهم { كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } في النشأة الأولى { مُتْرَفِينَ } [الواقعة: 45] منهمكين في الضلال والشهوات.
{ وَكَانُواْ } حينئذ { يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة: 46] والذنب الكبير الذي هو الشرك بالله والإنكار لتوحيده.
{ وَ } من شدة إنكارهم بمقتضيات الوحي الإلهي المتعلق بقيام الساعة ووقوع الطامة الكبرى { كَانُواْ يِقُولُونَ } فيما بينهم على وجه الاستبعاد والاستنكار: { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً } بالية { أَإِنَّا } بعد ذلك { لَمَبْعُوثُونَ } [الواقعة: 47] مخرجون من قبورنا أحياء كما كنا.
{ أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [الواقعة: 48] الأقدمون يخرجون من قبورهم، مع أن بعثهم وإخراجهم أشد استحالة وامتناعا من بعثنا!
كلا وحاشا؛ إذ لم يعهد فيما مضى من الأزمنة أمثال هذا، بل ما هي إلا زيغ زائل، وزور باطل.
{ قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما بالغوا في الإنكار والعناد: { إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ } [الواقعة: 49] أي: الأسلاف والأخلاف { لَمَجْمُوعُونَ } مجتمعون بكمال قدرة الله وحكمته { إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [الواقعة: 50] أي: إلى وقت معين، ويوم موعود معهود، عينه الله سبحانه في حضرة علمه ولوح قضائه، لا بدَّ وأن يقع في ذلك الوقت ألبتة، بلا خلف.