التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢
هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٣
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٤
-الحديد

تفسير الجيلاني

{ سَبَّحَ للَّهِ } الواحد الأحد الصمد، المستقل بالبقاء والقيومية، المتفرد بالتحقق والثبوت على وجه الديمومية، الحي الحقيق بالألوهية والربوبية، مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } من الكوائن العلوية والسفلية، الغيبية والشهادية، ونزهه عن مطلق النقائص المنافية لصرافة وحدته الذاتية بعدما اعترفت ألسنة استعدادات الكل بربوبيته طوعاً، واشتغلوا بلوازم عبوديته رغبةً { وَ } كيف لا يسبحونه ولا يعظمونه، والحال أنه { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب المقتدر على وجوه الإنعام والانتقام { ٱلْحَكِيمُ } [الحديد: 1] المتقن في إيجادها وإظهارها على وفق الإرادة والاختيار؟!
{ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: مؤثرات الأسماء والصفات العلوية، المعتبرة بالأعيان الثابتة ومتأثرات القوابل السفلية، واستعدادات الطبائع والهيولى المنفعلة منها؛ إذ هو سبحانه باستقلاله وتوحده { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي: يتصرف فيها بالإحياء والإماتة، والخلع واللبس حسب إرادته ومشيئته بالاختيار، وبالجملة: { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } دخل في حيطة حضرة علمه، ولوح قضائه { قَدِيرٌ } [الحديد: 2] بالقدرة التامة الكاملة، مع أنه لا يعزب عن حيطة علمه الحضوري ذرة مما لمع عليه برق وجوده الوحداني الفرداني.
وكيف لا يقدر سبحانه على التصرف بالاستقلال والاختيار في ملكه وملكوته؛ إذ { هُوَ ٱلأَوَّلُ } الأزلي السرمدي السابق في الوجود { وَٱلآخِرُ } الأبدي الدائم، المستمر فيه بمقتضى الجود حق { وَٱلظَّاهِرُ } المتحقق في العيان { وَٱلْبَاطِنُ } المكنون في عموم الأكوان، فانظر أيها المعتبر الناظر، هل بقي لغيره وجود ولسواه عين وشهود؟! { وَ } بالجملة: { هُوَ } بذاته { بِكُلِّ شَيْءٍ } ظهر من امتداد أظلاله وانعكاس أشعة نور وجوده { عَلِيمٌ } [الحديد: 3] بذاته وحضوره، غير مغيب عنه مطلقاً.
ومن كمال علمه وإرادته، ووفور حكمته وقدرته { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ } وقدر ظهور { ٱلسَّمَٰوَٰتِ } المتطابعة المتعلقة { وَٱلأَرْضَ } المفترشة الممهدة { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } حسب الأقطار والجهات الست { ثُمَّ } بعدما كمل الكل { ٱسْتَوَىٰ } وتمكن { عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي: على عروش مطلق المظاهر بالاستيلاء التام، والاستقلال الكامل، بحيث { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ } ويدخل { فِي ٱلأَرْضِ } من الحبات أو في أراضي الاستعدادات ومن بذور المعارف والحقائق { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من أنواع النباتات أو المكاشفات والمشاهدات المترتبة على بذور المعارف، والأعمال الصالحات { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي: عالم الأسباب من الأمطار، أو من سماء الأسماء من مياه العلوم اللدنية والإدراكات المحيية لأراضي الاستعدادات { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } من الأبخرة والأدخنة، أو الكلمات الطيبة الصاعدة الجالبة لفيضان اليقين والعرفان من المبدأ الفياض.
{ وَ } بالجملة: { هُوَ } سبحانه بذاته { مَعَكُمْ } أيتها المظاهر { أَيْنَ مَا كُنتُمْ } لا معية ذاتية ولا زمانية، ولا بطريق المقارنة والمخالطة، ولا بطريق الحلول والاتحاد، بل بطريق الظهور والظلية، والحضور ورش النور { وَ } بالجملة: { ٱللَّهُ } المحيط بكم، المظهر لأشباحكم بمد ظله عليكم { بِمَا تَعْمَلُونَ } من مطلق الأعمال { بَصِيرٌ } [الحديد: 4] فيجازيكم عليها على مقتضى بصارته وعلمه في يوم الجزاء.