التفاسير

< >
عرض

وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١٠
مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ
١١
يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
-الحديد

تفسير الجيلاني

{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ } أي: أيّ شيء يمنعكم عن الإنفاق { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } تقرباً إليه، وطلباً لمرضاته، وامتثالاً لأوامره { وَلِلَّهِ } الغني بذاته، المستغني عن مطلق مظاهره ومصنوعاته { مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: العلويات والسفليات والممتزجات، وهو في ذاته غني عن إنفاقكم وبذلكم، إلاَّ أنه { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ } أي: أنفق قبل فتح مكة ممتثلاً لأمر الله، مجهداً في تقوية دين الإسلام وترويجه وظهوره على الأديان الباطلة، وتكثير أهل الحق وتغليبه { وَ } مع إنفاقه على المقاتلين في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة توحيده { قَاتَلَ } أيضاً بنفسه، وسعى ببذل المال والروح في طريق الحق وترويجه { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المنفقون المقاتلون لهم { أَعْظَمُ دَرَجَةً } وأكرم مثوبة ومقاماً عند الله { مِّنَ } المؤمنين { ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ } أي: بعد فتح مكة وغلبة المسلمين، وظهور دين الإسلام { وَقَاتَلُواْ } بعده مع كثرة المقاتلين.
{ وَ } بالجملة: { كُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: وعد الله كلاًًّ من المسلمين المبادرين، أو المبطئين الوعد الحسنى، والدرجة العليا، والمثوبة العظمة حسب سعيهم واجتهادهم في تقوية الشرع، وترويج الدين القويم { وَ } بالجملة: { ٱللَّهُ } المطلع بسرائر عباده { بِمَا تَعْمَلُونَ } أي: بعموم أعمالكم وأحوالكم خالصها ومشوبها، صالحها وفسادها { خَبِيرٌ } [الحديد: 10] بصير لا يعزب عن حضرته شيء منها، يجازيكم على مقتضى خبرته.
ثمَّ قال سبحانه على سبيل الحث والترغيب: { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ } وينفق في سبيله من أكرم أمواله { قَرْضاً حَسَناً } بلا شوب المنّ والأذى، وشين السمعة والرياء طلباً لمرضاته سبحانه { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } أي: يضاعف له إخلافه وإعواضه في الدنيا كرامةً عليه، وفضلاً { وَ } مع ذلك { لَهُ } في الآخرة { أَجْرٌ كَرِيمٌ } [الحديد: 11] وفوز عظيم لا فوز أعظم منه وأكرم، وهو التحقيق بمقام الرضا والتسليم، والاستغراق بمطالعة وجه الله الكريم.
اذكر يا أكرم الرسل على سبيل التبشير { يَوْمَ تَرَى } أيها المعتبر الرائي { ٱلْمُؤْمِنِينَ } الموحدين الموقنين، المخلصين { وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أيضاً كذلك { يَسْعَىٰ نُورُهُم } أي: نور يقينهم وعرفانهم { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي: أمامهم وقدامهم { وَبِأَيْمَانِهِم } إذ إتيان الكرامة إنما هو من هاتين الجهتين، فيقول لهم حينئذٍ من يتلقاهم من الملائكة: { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ } دخول { جَنَّاتٌ } متنزهات العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي: أنههار المعارف والحقائق لا بحسب وقت دون وقت، بل { خَالِدِينَ فِيهَا } دائمين { ذَلِكَ } أي: الخلود في الجنة الموعودة { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [الحديد: 12] لا فوز أعظم منه عند المكاشفين.