{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ } أي: أيّ شيء يمنعكم عن الإنفاق { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } تقرباً إليه، وطلباً لمرضاته، وامتثالاً لأوامره { وَلِلَّهِ } الغني بذاته، المستغني عن مطلق مظاهره ومصنوعاته { مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: العلويات والسفليات والممتزجات، وهو في ذاته غني عن إنفاقكم وبذلكم، إلاَّ أنه { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ } أي: أنفق قبل فتح مكة ممتثلاً لأمر الله، مجهداً في تقوية دين الإسلام وترويجه وظهوره على الأديان الباطلة، وتكثير أهل الحق وتغليبه { وَ } مع إنفاقه على المقاتلين في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة توحيده { قَاتَلَ } أيضاً بنفسه، وسعى ببذل المال والروح في طريق الحق وترويجه { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المنفقون المقاتلون لهم { أَعْظَمُ دَرَجَةً } وأكرم مثوبة ومقاماً عند الله { مِّنَ } المؤمنين { ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ } أي: بعد فتح مكة وغلبة المسلمين، وظهور دين الإسلام { وَقَاتَلُواْ } بعده مع كثرة المقاتلين.
{ وَ } بالجملة: { كُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: وعد الله كلاًًّ من المسلمين المبادرين، أو المبطئين الوعد الحسنى، والدرجة العليا، والمثوبة العظمة حسب سعيهم واجتهادهم في تقوية الشرع، وترويج الدين القويم { وَ } بالجملة: { ٱللَّهُ } المطلع بسرائر عباده { بِمَا تَعْمَلُونَ } أي: بعموم أعمالكم وأحوالكم خالصها ومشوبها، صالحها وفسادها { خَبِيرٌ } [الحديد: 10] بصير لا يعزب عن حضرته شيء منها، يجازيكم على مقتضى خبرته.
ثمَّ قال سبحانه على سبيل الحث والترغيب: { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ } وينفق في سبيله من أكرم أمواله { قَرْضاً حَسَناً } بلا شوب المنّ والأذى، وشين السمعة والرياء طلباً لمرضاته سبحانه { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } أي: يضاعف له إخلافه وإعواضه في الدنيا كرامةً عليه، وفضلاً { وَ } مع ذلك { لَهُ } في الآخرة { أَجْرٌ كَرِيمٌ } [الحديد: 11] وفوز عظيم لا فوز أعظم منه وأكرم، وهو التحقيق بمقام الرضا والتسليم، والاستغراق بمطالعة وجه الله الكريم.
اذكر يا أكرم الرسل على سبيل التبشير { يَوْمَ تَرَى } أيها المعتبر الرائي { ٱلْمُؤْمِنِينَ } الموحدين الموقنين، المخلصين { وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أيضاً كذلك { يَسْعَىٰ نُورُهُم } أي: نور يقينهم وعرفانهم { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي: أمامهم وقدامهم { وَبِأَيْمَانِهِم } إذ إتيان الكرامة إنما هو من هاتين الجهتين، فيقول لهم حينئذٍ من يتلقاهم من الملائكة: { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ } دخول { جَنَّاتٌ } متنزهات العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي: أنههار المعارف والحقائق لا بحسب وقت دون وقت، بل { خَالِدِينَ فِيهَا } دائمين { ذَلِكَ } أي: الخلود في الجنة الموعودة { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [الحديد: 12] لا فوز أعظم منه عند المكاشفين.