التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ
١٣
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ
١٤
فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٥
-الحديد

تفسير الجيلاني

ثمَّ عقب سبحانه وعد المؤمنين بوعيد المنافقين فقال أيضاً على وجه التذكير: { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ } المبطلون المستمرون على النفاق مع أهل الحق { وَٱلْمُنَافِقَاتُ } أيضاً كذلك { لِلَّذِينَ آمَنُواْ } حين يرونهم { يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } [الحديد: 12] { ٱنظُرُونَا } أيها السعداء المحقون، والتفتوا نحونا { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } إذ نحن في ظلمة شديدة { قِيلَ } لهم حينئذٍ من قِبَل الحق على سبيل التوبيخ والتقريع: { ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ } أي: إلى دار الاعتبار والاختبار { فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } واقتبسوا من مشكاة النبوة والولاية بامتثال الأوامر والنواهي الموردة من عنده سبحانه على رسله، وبالحكم والأسرار والصادرة من ألسنة أولي العزائم الصحيحة، والمنجذبين نحو الحق من طريق الفناء فيه بالموت الأرادي، واعلموا أن اقترافه واقتباسه إنما هو في دار العبرة والغرور، لا في دار الحضور والسرور.
وبعدما جرى ما جرى { فَضُرِبَ } وحيل حينئذٍ { بَيْنَهُم } أي: بين المؤمنين والمنافقين { بِسُورٍ } حائط حائل { لَّهُ } أي: للسور { بَابٌ } مفتوح يدخل منه المؤمنون { بَاطِنُهُ } أي: باطن الباب { فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } النازلة من قِبَل الحق بمقتضى اسم الرحمن على أهل الإيمان والعرفان { وَظَاهِرُهُ } أي: ظاهر الباب { مِن قِبَلِهِ } سبحانه بمقتضى اسمه المنتقم { ٱلْعَذَابُ } [الحديد: 13] النازل على أهل النفاق والطغيان.
{ يُنَادُونَهُمْ } أي: المنافقون المؤمنون حين ستروا عن أعينهم، وبقوا في الظلمة والعذاب محرومين قائلين متضرعين: { أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } أيها الرفقاء في دار الدنيا مسلمين منقادين لأحكام الإسلام، ممتثلين لأوامر الكلام ونواهيه أمثالكم { قَالُواْ } أي: المؤمنون في جوابهم من وراء الحائل: { بَلَىٰ } أنتم معنا ظاهراً { وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } بالنقاق والشقاق حسب باطنكم { وَ } مع ذلك { تَرَبَّصْتُمْ } وانتظرتم بالمؤمنين المقت والدوائر { وَٱرْتَبْتُمْ } ترددتم وشككتم في حقية الدين القويم، وظهوره على الأديان كلها { وَ } بالجملة: { غرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ } الأهوية الفاسدة، والآراء الباطلة مدى العمر، فانتظرتم بالمؤمنين
{ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [الطور: 30]، وكنتم على أمانيكم هذه وتطيراتكم { حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } الذي هو الموت، فمتم منافقين مخادعين { وَ } بالجملة: { غَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } [الحديد: 14] الذي هو شياطين أمَّارتكم وأمانيكم، وتسويلات نفوسكم وقواكم.
وبعدما وقع ما وقع { فَٱلْيَوْمَ } الذي تبلى السرائر فيه { لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ } أيها المنافقون المخادعون { فِدْيَةٌ } تفدون بها؛ لتخليصكم من العذاب لا منكم أيها المنافقون { وَلاَ مِنَ } إخوانكم { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مجاهرين مصرين على ما هم عليه بلا مبالاة إلى الدين والدعوة، وبالجملة: { مَأْوَاكُمُ } أي: محل رجوعكم وقراركم اليوم جميعاً؛ أي: { ٱلنَّارُ } المعدة المسعرة لكم أيها المنافقون بالكفر، والمجاهرون به { هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي: النار أولى بكم، وأليق بحالكم { وَ } بالجملة: { بِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [الحديد: 15] والمرجع النار المعدة للكفار الأشرار.