التفاسير

< >
عرض

ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ
٢٠
سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢١
-الحديد

تفسير الجيلاني

{ ٱعْلَمُوۤاْ } أيها المكلفون المعتبرون { أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } أي: ما الحياة المستعارة الدنيوية، وما حاصلها وجلّ متاعها إلاَّ { لَعِبٌ } مزخرف باطل في نفسها، يلعب بها أهل الغفلة والحجاب، ويتعبون بها أنفسهم بلا طائل { وَلَهْوٌ } يلهيهم عما يهمهم ويعينهم من الحياة الأزلية الأبدية ولوازمها { وَزِينَةٌ } زيَّنها لهم شياطين قواهم وأمانيهم من المطاعم الشهية، والملابس البهية، واللذات الوهمية، والشهوات البهيمية { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } بالمال والجاه والثروة، والسيادة بالأنساب والأحساب { وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ } بالمظاهرة والمعاونة، وتكثير العدد والعدَدد والعُدد، والعقارات والتجارات، والمواشي والزراعات إلى غير ذلك من المزخرفات الفانية التي لا قراره لها ولا مدار، بل مَثَلُها { كَمَثَلِ غَيْثٍ } نزل وأنبت إنباتاً { أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ } أي: الزرَّاع { نَبَاتُهُ } من كثرته ونضارته وكثفاته { ثُمَّ يَهِيجُ } يجف وييبس بآفة وعاهة { فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً } بعدما كان مخضراً في كمال البهجة والنضارة { ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً } هشيماً تذروه الرياح حيث شاءت بلا فائدة ولا عائدة.
{ وَ } مع هذه الخسارة الحرمان في النشأة الأولى لأهل الغفلة والخذلان يكون لهم { فِي ٱلآخِرَةِ } المعدة للجزاء { عَذَابٌ شَدِيدٌ } لاشتغالهم بالدنيا وما فيها { وَ } بالجملة: { مَغْفِرَةٌ } سترٌ ومحوٌ لذنوب أصحاب المعاملات، ناشئة { مِّنَ ٱللَّهِ } الغفور الرحيم بمقتضى لطفه، وسعة رحمته وجوده { وَرِضْوَٰنٌ } منه سبحانه لأرباب القلوب والمكاشفات خير من الدنيا وما فيها بأضعافها وآلافها عند من تحقق تربية الإنسان، وسعة قلبه المصور على صور عرش الرحمن { وَ } بالجملة: { مَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ } عند الأحرار البالغين بدرجة الاعتبار والاستبصار { إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ } [الحديد: 20] ومخائل الخديعة والزور، ومن اغتر بها ولعب بما فيها فقد استحق الويل والثبور، وحرم عليه الحضور والسرور.
ومتى سمعتم أيها المؤمنون المعتبرون حال الدنيا ومآلها، وحال العقبى وما يترتب عليها { سَابِقُوۤاْ } سارعوا، وبادروا بوفور الرغبة والرضا { إِلَىٰ } تحصيل أسباب { مَغْفِرَةٍ } مرجوة { مِّن رَّبِّكُمْ } الذي ربَّاكم على فطرة الهداية والتوحيد { وَ } وسائل دخول { جَنَّةٍ } وسيعه فسيحة { عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } بحسب متفاهم العرف، وإلاَّ فلا يكاد سعة الجنة وعرش الرحمن قلب الإنسان الكامل، كما يشهد به قلب العارف المحقق، المتحقق بمقام القلب الذي هو وعاء الحق، المنزه عن مطلق المقادير والتقادير { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } على وجه الإخلاص، وأكدوا إيمانهم وإخلاصهم بالرضا والتسليم بعموم ما جرى عليهم من القضاء، وفوضوا أمورهم كلها إلى المولى حتى صار علمهم منتهياً إلى العين، وعينهم إلى الحق.
{ ذَلِكَ } التحقق والانتهاء { فَضْلُ ٱللَّهِ } بلا سبق شيء يوجبه ويجبله، وعبودية يستحقه، بل { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } عنايةً منه سبحانه، وإحساناً ناشئاً عن محض الإرادة والاختيار، وكيف { وَٱللَّهُ } الغني في ذاته، المستغني مطلقاً عن عبادة مظاهره وأظلاله { ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [الحديد: 21] والكرم العميم، يمن على من يشاء من عباده بمقتضى سعة رحمته وجوده حسب علمه المحيط باستعداداتكم وقابلياتهم.