التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٦
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٧
-الحديد

تفسير الجيلاني

ثمَّ قال سبحانه على سبيل التخصيص بعد التعميم؛ للاعتناء والاهتمام بشأن المذكورين: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً } إلى قومه حين فشا الجدال والمراء بينهم، وشاع انحرافهم عن المنهج القويم { وَإِبْرَاهِيمَ } حين ظهر الشرك وعبادة الأوثان والأصنام بين قومه { وَ } من كمال تعظيمنا وتكريمنا إياهما: { جَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } أبداً { فَمِنْهُمْ } أي: بعض قليل من ذريتهما { مُّهْتَدٍ وَ } بعض { كَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [الحديد: 26] خارجون عن جادة العدالة والقسط الإلهي.
{ ثُمَّ قَفَّيْنَا } وعقبنا { عَلَىٰ آثَارِهِم } أي: بعد انقراضهم { بِرُسُلِنَا } وأيدناهم بالكتب والصحف وأنواع الآيات والمعجزات { وَ } بعدما انقرضوا أيضاً { قَفَّيْنَا } الكل { بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ } وأيدناه بروح القدس { وَ } من كمال صفوته، ونجابة عرقه وطينته: { جَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } وآمنوا له، وتدينوا بدينه { رَأْفَةً } عطفاً وليناً إلى حيث يعفون عن القاتل، ولا يضربون الشاتم والضارب { وَرَحْمَةً } يترحمون بها عموم عباد الله.
{ وَ } من شدة محبتهم ومودتهم بالنسبة إلى الله ابتدعوا { رَهْبَانِيَّةً } يبالغون بها في العبادات إلى حيث لا يطعمون، ولا يشربون إياماً، ولا ينكحون قط، ولا يختلطون مع الناس، بل يوطنون نفوسهم في شعب الجبال والكهوف، وإنما { ٱبتَدَعُوهَا } من تلقاء أنفسهم بلا رخصة منَّا إياهم؛ إذ { مَا كَتَبْنَاهَا } أي: الرهبانية، وما فرضناها وقدرناها { عَلَيْهِمْ } في دينهم وكتابهم، بل ما اختاروها { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ } وطلباً لمرضاته، ومع ذلك { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } أي: ما وافقت رهبانيتهم بدينهم وكتابهم؛ إذ كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو من أعظم معتقدات دينهم وكتابهم فتركوه، وأنكروا عليه جهلاً وعناداً { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بمحمد صلى الله عليه وسلم { مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } أي: أجر إيمانهم وأعمالهم بأضعاف ما استحقوا بأعمالهم { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [الحديد: 27] خارجون عن مقتضى دينهم وكتابهم بإنكار محمد صلى الله عليه وسلم.