التفاسير

< >
عرض

لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ
٥
يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٦
آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ
٧
وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
٨
هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
٩
-الحديد

تفسير الجيلاني

إذ { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إيجاداً وخلقاً أولاً، وإعداماً ثانياً، وإعادة ثالثاً { وَ } بعد الإعادة { إِلَى ٱللَّهِ } لا إلى غيره من الوسائل والأسباب العادية { تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } [الحديد: 5] أي: رجوع مطلق الأمور إليه سبحانه في المعاد والمآل، كما أن ظهوره منه في المبدأ والمنشأ؛ إذ منه الابتداء وإليه الانتهاء.
ومن تصرفاته المتقنة في ملكه على وفق حكمته أنه { يُولِجُ } ويدخل { ٱلْلَّيْلَ } أي: بعض أجزائه { فِي ٱلنَّهَارِ } في فصل الربيع والصيف { وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ } أي: بعض أجزائه { فِي ٱلْلَّيْلِ } في فصل الخريف والشتاء؛ مصلحةً لمعاش عموم الحيوانات، ومحافظةً لها من كلا طرفي الإفراط والتفريط { وَ } بالجملة: { هُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الحديد: 6] أي: بمكنونات ضمائركم، ومقتضيات استعداداتكم.
وبعدما علم واطلع سبحانه منكم ومن استعداداتكم وقابلياتكم
{ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } [النور: 15]، { آمِنُواْ } أي: أنقادوا وأطيعوا { بِٱللَّهِ } المطلع على عموم مصالحكم { وَرَسُولِهِ } النائب عنه، المبعوث من لدنه؛ لإرشادكم وتكميلكم { وَأَنفِقُواْ } بمقتضى الأمر الإلهي المنبئ عن محض الحكمة والمصلحة { مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } أي: من أموالكم التي استخلفكم الله عليها؛ إذ هي كلها لله حقيقة، لا لكم كما زعمتم.
فعليكم أن تمتثلوا بأوامر الله سبحانه بالإنفاق والإيثار الذي يزكي أنفسكم من الميل إلى مزخرفات الدنيا، العائقة عن الوصول إلى جنة المأوى التي هي مقام التسليم والرضا { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } وأكدوا إيمانهم بالإخلاص في عموم الأعمال والأفعال والأخلاق { وَأَنفَقُواْ } بلا شوب المنّ والأذى، وشين السمعة والرياء { لَهُمْ } سبب إيمانهم وإنفاقهم على وجه الإخلاص { أَجْرٌ كَبِيرٌ } [الحديد: 7] لا أجر أكبر منه وأعلى.
ثمَّ قال على طريق الحث والإلزام المشعر بالوعيد: { وَمَا لَكُمْ } أي: أيّ شيء عرض لكم، وطرأ عليكم { لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد، المستحق للإطاعة والإيمان { وَ } لا سيما { ٱلرَّسُولُ } المبلغ الكامل في الهداية والتكميل { يَدْعُوكُمْ } بمقتضى الوحي الإلهي المنزل من عنده { لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ } مع تأييده بالمعجزات الساطعة، والحجج القاطعة الدالة على صدقه في دعوته للإيمان، ورسالته إلى كافة الأنام { وَ } الحال أنه { قَدْ أَخَذَ } الله العليم العلام باستعداداتكم { مِيثَاقَكُمْ } وعهدكم بالإيمان والعرفان في مبدأ فطرتكم، ومنشأ جبلتكم، مع أنه جبلكم حين قدر خلقكم، وأنشأ فطرتكم على جبلة التوحيد والإيمان، فماذا يمنعكم عنه { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [الحديد: 8] بسبب وموجب، فهذا موجب لا مزيد عليه؟!
إذ { هُوَ } سبحانه الحكيم العليم { ٱلَّذِي يُنَزِّلُ } من مقام فضله وجوده { عَلَىٰ عَبْدِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم { آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } مبينات واضحات { لِّيُخْرِجَكُمْ } الله ورسوله { مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ } المتراكمة المتكاثفة من لوازم الطبيعة، ولواحق الحصول { إِلَى ٱلنُّورِ } أي: نور الوجود البحت، الخالص عن مطلق القيود { وَ } اعلموا أيها المكلفون { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ } بإرادة إخراجكم من ظلمات الجهل إلى نور اليقين { لَرَءُوفٌ } مشفق عطوف { رَّحِيمٌ } [الحديد: 9] متناهٍ في الرحمة.