{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } عليكم { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ } فيما بينكم { فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } مثل مناجاة أولئك الأشقياء المردودين، بل { وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ } الموجب لأنواع الخيرات، الجالب لأكرم المثوبات { وَٱلتَّقْوَىٰ } عن محارم الله، ولا سيما عن عصيان الرسول المستلزم لأنواع الحرمان والخسران { وَ } بالجملة: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور { ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [المجادلة: 9] وترجعون في يوم البعث والجزاء.
{ إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ } والإسراء بالإثمَّ والعدوان، ومعصية الرسول إنما نشأ { مِنَ ٱلشَّيْطَانِ } المضل الغوي، إنما يحملهم عليها { لِيَحْزُنَ } نجواهم بهذه الأوزار { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ويتغمموا بها { وَ } الحال أنه { لَيْسَ } الشيطان، وما يلقنهم من التناجي بالسوء { بِضَآرِّهِمْ } أي: المؤمنين { شَيْئاً } من الضرر { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ومقتضى مشيئته { وَ } بالجملة: { عَلَى ٱللَّهِ } المراقب لعموم أحوال عباده { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [المجادلة: 10] وأنه سبحانه يكفي لهم مؤنة شرور أعدائهم، ونجواهم بالسوء والعدوان.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى أخلاقكم الحسنة، الموروثة لكم عن إيمانكم وعرفانكم: { إِذَا قِيلَ لَكُمْ } وقت تضيقكم وتحسبكم: { تَفَسَّحُواْ } وتوسعوا { فِي ٱلْمَجَالِسِ } أي: مطلق المجالس المحافل { فَٱفْسَحُواْ } ووسعوا مبادرين بلا مدل وتخرج وتضجر { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } ويوسع عليكم في عموم ما تريدون الوسعة فيه، بل { وَإِذَا قِيلَ } لكم: { ٱنشُزُواْ } وانهضوا، واخرجوا من المضائق والمجالس { فَانشُزُواْ } طائعين راغبين، مريدين الثواب من الله بتوسيعكم على إخوانكم، ولا تتوهموا الإذلال بالنشوز، بل { يَرْفَعِ ٱللَّهُ } القادر المقتدر على وجه الإنعام { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } ونشزوا عن المضائق؛ لمصلحة إخوانه طوعاً درجات من القرب والمكانة؛ إذ المؤمن العارف المتمكن في مرتبة اليقين الحقي لا يتفاوت عنده المدح والذم، والإعزاز والإذلال، والمضرة والسمرة، والمنح والمحن مطلقاً.
{ وَ } بالجملة: { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من حضرة العلم الإلهي { دَرَجَاتٍ } لا يكتنه وصفها ولا حصرها { وَ } بالجملة: { ٱللَّهُ } المطلع بضمائركم { بِمَا تَعْمَلُونَ } من الاستكبار والاستكراه، وتوهم الإذلال والاستنكاف عن الامتثال { خَبِيرٌ } [المجادلة: 11] يجازيكم على مقتضى خبرته.
ثمَّ أشار سبحانه إلى تعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم، وتأديب من تبعه من المؤمنين المسترشدين منه فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم بالله، وتصديقكم برسوله: إنكم { إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ } وأردتم المناجاة معه، والاستفادة منه صلى الله عليه وسلم { فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ } أي: قدام مناجاتكم، وعرض حاجاتكم إليه { صَدَقَةً } تصديقاً لفقراء الله { ذَلِكَ } أي: التصديق لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم { خَيْرٌ لَّكُمْ } في أولاكم وأخراكم { وَأَطْهَرُ } لنفوسكم من الميل إلى زخارف الدنيا { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ } ما تنفقون { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على نياتكم { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [المجادلة: 12] على من فقد وجه الصدقة.
ثمَّ قال سبحانه على سبيل الرخصة: { ءَأَشْفَقْتُمْ } وخفتم الفقر والفاقة من { أَن تُقَدِّمُواْ } وتصدقوا { بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ } أي: قدام مناجاتكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم { صَدَقَاتٍ } أي: لكل نجوى صدقات ولو كملة طيبة منبئة عن كمال المحبة والوداد { فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ } ولم تصدقوا؛ بسبب الإشفاق عن الفقر { وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي: قبل منكم توبتكم إن صدرت عنكم على وجه الندم والإخلاص عن جريمة الإشفاق والتحسر على ما فوتم، وبالجملة: عفا الله عنكم، وتجاوز عن جريمتكم { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } المؤقتة المكتوبة { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } المفروضة المقدرة { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في عموم الأوامر والنواهي على وجه الإخلاص { وَٱللَّهُ } المطلع على ضمائركم ونياتكم { خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المجادلة: 13] أي: بعموم أعمالطم وإخلاصكم فيها.