التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٤
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٥
ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٦
لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
١٧
-المجادلة

تفسير الجيلاني

ثمَّ أشار سبحانه إلى تفضيح المبالغين، وتوبيخهم فقال: { أَلَمْ تَرَ } أيها المعتبر الرائي { إِلَى } المنافقين { ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ } أي: والوا وتحابوا { قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } يعني: اليهود، واختاروا موالاتهم، وصاحبوا معهم في خلواتهم، واغتابوا المؤمنين عندهم، مع أنهم { مَّا هُم } أي: المنافقون { مِّنكُمْ } أيها المؤمنون حقيقةً، وإن كانوا منكم ظاهراً { وَلاَ مِنْهُمْ } أي: من اليهود ظاهراً، وإن كانوا منهم حقيقةً { وَ } من شدة شقاقهم ونفاقهم: { يَحْلِفُونَ } بالله { عَلَى ٱلْكَذِبِ } صريحً، وهو دعوى الإسلام والإخلاء مع المؤمنين { وَ } الحال أنه { هُمْ يَعْلَمُونَ } [المجادلة: 14] كذب أنفسهم، ويزورون بحلفهم على المؤمنين تغريراً، مع أنه لا نفع لحلفهم عند الله، ولا يدفع شيئاً من عذابه.
إذ { أَعَدَّ ٱللَّهُ } المراقب على عموم أحوالهم { لَهُمْ } أي: المنافقين الحالفين على الكذب { عَذَاباً شَدِيداً } أشد من عذاب اليهود المجاهرين بالكفر بلا زور وتزوير، وبالجملة: { إِنَّهُمْ } أهل النفاق من خبث طينتهم، وشدة شكيمتهم سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{ } [المجادلة: 15] من التمرن على النفاق، والإصرار بموالاة أهل الشرك والشقاق.
قيل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق؛ إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في حجرة من حجراته فقال لجلاسه:
"يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار، ينظر بعين شيطان فدخل عبد الله بن نبتل، وكان أزرق، فقال صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟!" ، فحلف بالله ما فعل، ثمَّ جال أصحابه فحلفوا جميعاً على الكذب، وبالجملة: { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ } الكاذبة { جُنَّةً } وقاية لدمائهم وأموالهم { فَصَدُّواْ } ومنعوا المؤمنين؛ بسبب حلفهم الكذب { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } الذي هو غزوهم وقتلهم في النشأة الأولى { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [المجادلة: 16] في النشأة الأخرى؛ لاستهانتهم بالله بالحلف الكاذب، ولا يدفع عنهم الإهانة والعذاب يومئذٍ أصلاً.
إذ { لَّن تُغْنِيَ } وتدفع يومئذٍ { عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ } عذاب { ٱللَّهِ شَيْئاً } بل { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء البعداء عن منهج الحق { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } أي: ملازمومها وملاصقوها؛ إذ { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [المجادلة: 17] مخلدون، لا يرجى نجاتهم منها أصلاً.