التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
٢
وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ
٣
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٤
-الحشر

تفسير الجيلاني

{ سَبَّحَ لِلَّهِ } ونزَّهه تنزيهاً لائقاً بجانبه سبحانه مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَ } كيف لا { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } بذته، المتعزز برداء العظمة والكبرياء { ٱلْحَكِيمُ } [الحشر: 1] المتقن المدبِّر لمصالح عباده كيف شاء؟!.
وبالجملة: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ } بمقتضى عزته وحكمته المسرفين { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله وبرسوله، وهو إجلاء بني النضير، مع أنهم { مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ } المألوفة، وأوطانهم المأنوسة زجراً عليهم، وتذليلاً له واقعاً إياهم { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } أي: في أول الحشر، إجلائهم الواقع عليهم بظهر الإسلام؛ إذ أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير أولاً من المدنية إلى الشام، ثمَّ أجلى بقية الكفرة عمرُ رضي الله عنه في خلافته، انظروا كيف أخرجهم سبحانه بكمال قدرته وعزته، مع أنكم { مَا ظَنَنتُمْ } أيها المؤمنون من { أَن يَخْرُجُواْ } لشدتهم وشوكتهم، واستحكام آماكنهم وقلاعهم { وَ } هم أيضاً { ظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم } أي: ظنهم لأنفسهم أن حصونهم تمنعهم { مِّنَ } بأس { ٱللَّهِ } المنتقم الغيور وبشطه وإن اشتد، لكن لم ينفعهم الحصون والقلاع حين نزول العذاب، بل { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ } أي: القهر الهائل من لدنه { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } أي: من صوب وجهة لم يتوقعوا.
{ وَ } ذلك أنه { قَذَفَ } وألقى سبحانه { فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } الشديد، والخوف العظيم من غير قتال، وبسبب ذلك الرعب الهائل اخذوا { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ } ضناً بها على المسلمين، وإخراج ما فيها من الأمتعة { وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ } أيضاً، فإنهم أيضاً كانوا يخرجون بيوتهم إذلالاً لهم، وتوسيعاً لمضمار الحرب والقتال، وبالجملة: { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } [الحشر: 2] واتعظوا بما جرى على هؤلاء الغواة الطغاة، يثقون بحصونهم ويشيدونها؛ ليتحصنوا بها من بأس الله، ثمَّ لما اضطروا أخذوا يخبرون بأيديهم ما يعتمدون عليه، ويستحفظون به؛ وذلك كمال قدرته الله ومتانة حكمته.
{ وَ } بالجملة: { لَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ } المصلح لأمور دنياهم، ولم يفترض { عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ } ولم يخرجهم من أوطانهم { لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا } بالقتل والأسر، وأنواع الإذلال والصغار، كما جرى على الكفرة المتمكنين في أمكانهم بعدهم { وَ } مع ذلك الإصلاح والكرامة لهم في الدنيا { لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } [الحشر: 3] بواسطة إصرارهم على الكفر، وإنكارهم على الإسلام.
{ ذَلِكَ } الإذلال والصغار لهم في الدنيا والآخرة { بِأَنَّهُمْ } أي: بسبب أنهم { شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } بمخالفة أمرهما، والخروج عن حكمهما { وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ } يعاقبه ألبتة { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الحشر: 4] صعب الانتقام، أليم العذاب على عصاة عباده إرادةً واختياراً.
ثمَّ لمَّا توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير حين نقضوا العهد الذي عهدوا مع الله ورسوله، تحصنوا بحصونهم وامتنعوا عن الإسلام، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخلهم وحرق بساتينهم، قالوا: يا محمد كنت تنهى عن الفساد في الأرض، فما بال قطع النخل وحرقها؟!