التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١١
لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ
١٢
لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
١٣
لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ
١٤
-الحشر

تفسير الجيلاني

ثمَّ قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع: { أَلَمْ تَرَ } أيها الرائي { إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } مع المؤمنين حيث { يَقُولُونَ } في خلواتهم { لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } وكان بينهم صداقة الشرك وأخوة الكفر، وموالاة البغض مع المؤمنين: لا تصالحوا مع هؤلاء المدعين؛ يعنون: المؤمنين، وإنَّا معكم، والله { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ } من دياركم عنوةً { لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ } ألبتة { وَلاَ نُطِيعُ } ونتبع { فيكُمْ } أي: في قتالكم وحرابكم { أَحَداً أَبَداً } من هؤلاء الأعادي { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } ونعاوننكم ألبتة بلا تخلف منَّا { وَٱللَّهُ } المطلع على عموم أفعالهم ونياتهم فيها { يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [الحشر: 11] في قولهم وعهدهم هذا مع إخوانهم.
حيث قال سبحانه: { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ } ألبتة { وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ } جزماً، وقد وقع ذلك، فإن أُبي وأصحابه عهدوا مع بني النضير على هذا، ثمَّ أخلفوهم، وهم قد خرجوا من ديارهم، وهؤلاء لم يخرجوا { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ } بالفرض والتقدير، ويقاتلوا معكم أيها المؤمنون من جانب عدوكم، والله { لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ } وقت كركم عليهم { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [الحشر: 12] بعد ذلك؛ لشدة خوفكم ورعبكم في قلوبهم.
وبالجملة: { لأَنتُمْ } أيها المؤمنون { أَشَدُّ رَهْبَةً } مرهوبية ومرعوبية راسخة { فِي صُدُورِهِمْ } متمكنة في نفوسهم من قبلكم، والحال أن تلك الرهبة الشديدة الحاصلة منكم إياهم ناشئة { مِّنَ ٱللَّهِ } إذ هو سبحانه قذفها في صدورهم من جانبكم، وأقدركم عليها { ذَلِكَ } أي: عدم تفطنهم بمنشئها { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } [الحشر: 13] ولا يعلمون عظمة الله، وحق قدره حتى يخشوا منه حق خشيته.
وبالجملة: لا تبالوا أيها المؤمنون بودادة المنافقين مع اليهود، واتفاقهم معهم؛ إذ { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً } مجتمعين متفقين { إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ } محصورة، مسورة بالدروب والخنادق { أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ } يستحصنون بها؛ وذلك من فرط رعبهم، وشدة رهبتهم من المؤمنين، وإلاَّ { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } أي: حين حارب بعضهم بعضاً، أو مع غير المؤمنين، قتالهم شديد وحرابهم عظيم، وإذا حاربوا مع المؤمنين { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً } مجتمعين ظاهراً في بادئ النظر { وَ } لكن { قُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } متفرقة مختلفة حقيقةً؛ لافتراق عقائدهم، واختلاف مقاصدهم { ذَلِكَ } الافتراق والاختلاف { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } [الحشر: 14] ولا يفهمون ما هو صلاحهم في الدارين، وفلاحهم في النشأتين.