{كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ} أي: مثلهم كمثل اليهود الذين مضوا {مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً} بزمانهم {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} في الدنيا من أنواع الهوان والخسار {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الحشر: 15] في الآخرة التي هي دار البوار.
بل مثلهم {كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ} أي: مثل المنافقين في إغراء اليهود على قتال المؤمنين كمثل الشيطان وقت {إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ} أي: كل فرد وفرد من أفراد الكفرة: {ٱكْفُرْ} حتى أعينك على عموم مقاصدك ومرامك {فَلَمَّا كَفَرَ} الإنسان - العياذ بالله - بتغريره {قَالَ} له الشيطان بعدما كفر: {إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ} لا أعينك على شيء؛ لأنك كفرت بالله، وصرت عدواً لله {إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ} القادر القاهر الغيور أن ينتقم عني بسبب معاوتنك ومظاهرتك؛ لكونه {رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ} [الحشر: 16] فلا يجري التصرف في ملكه بلا إذن منه سبحانه.
وبعدما كفر الإنسان بتغرير الشيطان وتلبيسه {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ} أي: عاقبة الشيطان والإنسان الذي كفر بتغريره {أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ} تابعاً ومتبوعاً، لا زماناً دون زمان، بل واقعا {خَالِدِينَ فِيهَا} مستمرين أبداً {وَذَلِكَ} الخلود في النار {جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ} [الحشر: 17] الخارجين عن ربقة الرقية الإلهية، وعروة عبوديته بتلبيس الشيطان وتغريره.
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} مقتضى إيمانكم: التقوى عن محارم الله، والاجتناب عن منهياته {ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} واحذروا عن بطشه وانتقامه {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ} أي: كل واحد من النفوس المجبولة على نظرة الدارية والشعور على وجه العبرة والاستبصار {مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} وما ادخرت ليوم القيامة، وتزودت للنشأة الأخرى بعدما كلفت بأنواع التكاليف، وأُمرت لإعداد زاد المعاد على وجه المبالغة، وكمال الإرشاد {وَ} بالجملة: {ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} المنتقم الغيور، واحذروا عن مخالفة أمره {إِنَّ ٱللَّهَ} المطلع على ما في ضمائر عباده {خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18] من خير وشر، ونفع وضر، يجازيكم على مقتضى خبرته.
{وَ} بالجملة: {لاَ تَكُونُواْ} أيها المؤمنون {كَٱلَّذِينَ} أي: كالغافلين الذين {نَسُواْ ٱللَّهَ} أي: ذكره المستلزم للإيمان، المستلزم للمحبة والعرفان {فَأَنسَاهُمْ} سبحانه {أَنفُسَهُمْ} أي: معرفتها المستلزمة لمعرفة الحق، وبالجملة: {أُولَـٰئِكَ} البعداء عن ساحة عز الحضور {هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19] المقصورون على الخروج عن مقتضى الحدود الإلهية ولوازم العبودية، الجاهلون بقدر الألوهية مطلقاً.
واعلموا أيها المكلفون أنه {لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ} منكم وملازموها، وهم الذين اقترفوا طول عمرهم من سيئات الأعمال، وذمائم الأخلاق والأوصاف ما يستحقون دخول النار {وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ} وهم الذين اتصفوا بمحاسن الأعمال والأحوال، ومحامد الأخلاق والأطوار المنتجة لهم أنواع المعارف والحقائق، والمكاشفات المشاهدات الفائضة عليهم حسب استنشاقهم من نسائهم عالم اللاهوت، واسترواحهم من فواتح حضرة الرحموت، وبالجملة: {أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ} [الحشر: 20] المفلحون المقصورون في الدرجات العليَّة، والمقامات السنيَّة مما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.