التفاسير

< >
عرض

كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٥
كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ
١٧
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٨
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
١٩
لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ
٢٠
-الحشر

تفسير الجيلاني

{ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ } أي: مثلهم كمثل اليهود الذين مضوا { مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً } بزمانهم { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } في الدنيا من أنواع الهوان والخسار { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الحشر: 15] في الآخرة التي هي دار البوار.
بل مثلهم { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ } أي: مثل المنافقين في إغراء اليهود على قتال المؤمنين كمثل الشيطان وقت { إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ } أي: كل فرد وفرد من أفراد الكفرة: { ٱكْفُرْ } حتى أعينك على عموم مقاصدك ومرامك { فَلَمَّا كَفَرَ } الإنسان - العياذ بالله - بتغريره { قَالَ } له الشيطان بعدما كفر: { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ } لا أعينك على شيء؛ لأنك كفرت بالله، وصرت عدواً لله { إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } القادر القاهر الغيور أن ينتقم عني بسبب معاوتنك ومظاهرتك؛ لكونه { رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [الحشر: 16] فلا يجري التصرف في ملكه بلا إذن منه سبحانه.
وبعدما كفر الإنسان بتغرير الشيطان وتلبيسه { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ } أي: عاقبة الشيطان والإنسان الذي كفر بتغريره { أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ } تابعاً ومتبوعاً، لا زماناً دون زمان، بل واقعا { خَالِدِينَ فِيهَا } مستمرين أبداً { وَذَلِكَ } الخلود في النار { جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [الحشر: 17] الخارجين عن ربقة الرقية الإلهية، وعروة عبوديته بتلبيس الشيطان وتغريره.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم: التقوى عن محارم الله، والاجتناب عن منهياته { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } واحذروا عن بطشه وانتقامه { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ } أي: كل واحد من النفوس المجبولة على نظرة الدارية والشعور على وجه العبرة والاستبصار { مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } وما ادخرت ليوم القيامة، وتزودت للنشأة الأخرى بعدما كلفت بأنواع التكاليف، وأُمرت لإعداد زاد المعاد على وجه المبالغة، وكمال الإرشاد { وَ } بالجملة: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور، واحذروا عن مخالفة أمره { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على ما في ضمائر عباده { خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [الحشر: 18] من خير وشر، ونفع وضر، يجازيكم على مقتضى خبرته.
{ وَ } بالجملة: { لاَ تَكُونُواْ } أيها المؤمنون { كَٱلَّذِينَ } أي: كالغافلين الذين { نَسُواْ ٱللَّهَ } أي: ذكره المستلزم للإيمان، المستلزم للمحبة والعرفان { فَأَنسَاهُمْ } سبحانه { أَنفُسَهُمْ } أي: معرفتها المستلزمة لمعرفة الحق، وبالجملة: { أُولَـٰئِكَ } البعداء عن ساحة عز الحضور { هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [الحشر: 19] المقصورون على الخروج عن مقتضى الحدود الإلهية ولوازم العبودية، الجاهلون بقدر الألوهية مطلقاً.
واعلموا أيها المكلفون أنه { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } منكم وملازموها، وهم الذين اقترفوا طول عمرهم من سيئات الأعمال، وذمائم الأخلاق والأوصاف ما يستحقون دخول النار { وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } وهم الذين اتصفوا بمحاسن الأعمال والأحوال، ومحامد الأخلاق والأطوار المنتجة لهم أنواع المعارف والحقائق، والمكاشفات المشاهدات الفائضة عليهم حسب استنشاقهم من نسائهم عالم اللاهوت، واسترواحهم من فواتح حضرة الرحموت، وبالجملة: { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } [الحشر: 20] المفلحون المقصورون في الدرجات العليَّة، والمقامات السنيَّة مما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.