فسمع المؤمنون منهم ذلك، وأوجسوا في نفوسهم الكراهة، وعدم اللياقة، فنزلت: { مَا قَطَعْتُمْ } أيها المؤمنون { مِّن لِّينَةٍ } أي: من بعض نخلة من النخلات { أَوْ تَرَكْتُمُوهَا } بلا قطع شيء منها { قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا } على ما كانت { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي: القطع والترك كلاهما بأمر الله وحكمه { وَ } إنما أمركم بالقطع والحرق { لِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ } [الحشر: 5] أي: يرديهم ويذلهم بما غاظهم، ويضيق صدرهم.
{ وَ } اعلموا أيها المؤمنون أن { مَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ } أي: ردّ الله وأعطاه { عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ } أي: من يهود بني النضير من الأموال والعقار فهو لرسول الله خاصة خالصة، له أن يفعل به حيث شاء بلا حق لكم فيها، ليس مثل سائر الغنائم { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ } وأجريتم { عَلَيْهِ } أي: على تحصيله { مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } نجائب الإبل؛ إذ هم مشوا إلى بني النضير رجالاً لا فرساناً، وكانت المسافة ميلين من المدينة، ومع ذلك لا يقاتلون معهم مقاتلتكم مع سائر الكفرة { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور { يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } من المستوجبين للطرد والمقت بلا وسائل القتال والحراب، بل يقذف الرعب، وإلقاء الخوف في قلوبهم وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، الموجبة للهزيمة، لا عن شيء { وَٱللَّهُ } القادر المتقدر { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } موجب لقهر أعدائه، ونصر أوليائه { قَدِيرٌ } [الحشر: 6] سواء وافق العادة أو لا.
وبالجملة: { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ } أموال { أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } الهالكة بالغلبة والاستيلاء بلا مقاتلة وحراب { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } سهم { وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } من بني هاشم وبني المطلب سهم { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } سهام، وإنما قسم سبحانه مال الفيء بنفسه { كَيْ لاَ يَكُونَ } الفيء الذي حقه أن يصل إلى الفقراء { دُولَةً } متداولة { بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ } ورؤسائكم، كما هو عادة الجاهلية الأولى { وَ } بعدما قسم سبحانه في كتابه { مَآ آتَاكُمُ } وأعطاكم { ٱلرَّسُولُ } المستخلف منه سبحانه { فَخُذُوهُ } بلا مراء ومجادلة معه { وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ } بإذن الله { فَٱنتَهُواْ } أيضاً عنه بلا مكابرة وإصرار { وَ } بالجملة: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } عن مخالفة أمره، وأمر رسوله النائب عنه، واحذروا عن بطشه وانتقامه { إِنَّ ٱللَّهَ } القادر على وجوه الانتقام { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الحشر: 7] على من خرج من ربقة عبوديته، ومقتضى ألوهيته.