التفاسير

< >
عرض

وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٣٢
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ
٣٣
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣٤
وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ
٣٥
-الأنعام

تفسير الجيلاني

{ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ } التي يحصرون الحياة عليها، ويحرمون من الحياة الحقيقية لأجلها { إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } يلعب بهم ويلهيهم ويشغلهم عن الحياة الأبدية والبقاء السرمدي { وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } وجناتها الحقيقية ولذاتها المعنوية { خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } عن محارم الله ومنهياته في الحياة الصورية { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الأنعام: 32] وتميزون أيها العقلاء بين الحياتين، ولا تعلمون أي اللذتين خير لكم.
ثم قال سبحانه: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ } الشا، { لَيَحْزُنُكَ } ويؤذيك القول { ٱلَّذِي يَقُولُونَ } في حقك أولئك المعاندون المكابرون من أنك ساحر كاذب مجنون شاعر وغيرها، ولا تبال بهم وبقولهم { فَإِنَّهُمْ } في الحقيقة { لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ } الخارجين عن حدود الله، المنصرفين عن مقتضى أحكامه { بِآيَاتِ ٱللَّهِ } المنزلة عليك من عنده لإهداء التائهين من عباده { يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33] ينكرون ويعاندون جحوداً وإصراراً، وبالجملة: فاصبر على أذاهم يا أكمل الرسل إلى أن يحل عليهم الغضب من الله المنتقم المقتدر.
{ وَ } الله يا أكمل الرسل { لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } مثل ما كذبت { فَصَبَرُواْ } وتحملوا { عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } الذي وعدناهم، فنصرناهم وانتقمنا من عدوهم فكانوا هم الغالبين { وَ } بالجملة: لا تيأس من نصر الله وتأييده بإمهال الله إياهم، إذ { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } التي سبقت منه سبحاه لنصر أنبيائه ورسله { وَ } كيف تيأس وتقنط { لَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } الأنعام: 34] ما يكفيك عن التردد فيه.
{ وَإِن كَانَ كَبُرَ } وشق { عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } عن الإيمان والانقياد لك { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ } من غاية حرصك لإيمانهم وانقيادهم { أَن تَبْتَغِيَ } وتطلب { نَفَقاً } منفذاً { فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً } مرقاة { فِي ٱلسَّمَآءِ } فافعل { فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ } دالة على إلجائهم إلى الإيمان، وإلا فاصبر حتى يأتي الله بأمر من عنده وما لك إلا التبليغ { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } [الأنعام: 35] بأن الأمور كلها بيد الله واختياره، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا تحصر على إيمانهم وهدايتهم، ولا تجهد فيما لا يسع فيه جهدك وسعيك؛ لأنك لا تهدي من أحببت، هذا تأديب من الله لرسوله وأمثال هذا في القرآن كثيرة.