{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} المنزلة على رسلنا، ولم يعملوا بمقتضاها {يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ} الذي يحيطهم من جميع جوانبهم {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأنعام: 49] أي: بسبب فسقهم وخروجهم عن مقتضى أوامرنا ونواهينا.
{قُل} لهم يا أكمل الرسل كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة تلييناً لقلوبهم: {لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ} أي: جميع مراداته ومقدوراته {وَلاۤ} أدعي أني {أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ} أي: جميعه؛ إذ هما مما استأثر الله به لا يحوم حوله أحد من خلقه {وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ} أيضاً: {إِنِّي مَلَكٌ} إذ أنا بشر من جنسكم بل أقول لكم: {إِنْ أَتَّبِعُ} أي: ما أتبع {إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ} من عنده لأبلغكم به وأخبركم عنه، والهداية والضلال بيد الله يهدي من يشاء ويضل من شاء، وإن أنكروا لياقة البشر لوحي الله وإلهامه {قُلْ} لهم على سبيل الالتزام: {هَلْ يَسْتَوِي} عندكم البشر {ٱلأَعْمَىٰ} عن مطالعة عجائب مصنوعات الحق وغرائب مختراعاته {وَٱلْبَصِيرُ} المشاهد المطالع لها {أَ} تشكون فيما بينهما من التفاوت {فَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50] وتتأملون حتى ينكشف ويتميز عندكم الحق الصريح من الباطل الزائل الزائغ.
{وَأَنذِرْ بِهِ} أي: أنذر بما يوحى إليك يا أكمل الرسل {ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ} مع كونهم معتقدون أن {لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ} يولي أمرهم غيره {وَلاَ شَفِيعٌ} يشفع لهم عنده حتى ينقذهم من عذابه {لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51] لكي يتقوا ويحسنوا العمل لرضاه.
{وَ} بعدما أرسلناك يا أكمل الرسل، لتزويج الحق وتقوية أهله {لاَ تَطْرُدِ} لا تبعد عن عندك {ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ} أي: في جميع أوقات النهار {وَٱلْعَشِيِّ} أي: في جميع أوقات الليل، وبالجملة: يستغرقون جميع أوقاتهم بالتوجه نحوه سبحانه إنما {يُرِيدُونَ} بتوجههم غير أن يطالعوا {وَجْهَهُ} الكريم بسبب ميلك إلى أيمان أهل الأهواء ومصاحبتهم ومجالستهم، مع أنهم ليسوا من أهل الفلاح ولا قابلين له بل {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم} وإيمانهم {مِّن شَيْءٍ} يعود إليه نفعه {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ} وإيمانك {عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ} بل كل منك، ومنهم مجزي بما عمل ومسئول عما فعل {فَتَطْرُدَهُمْ} أي: هؤلاء المؤمنين المريدين وجه الكله في جميع أوقاتهم وحالاتهم؛ لأجل أولئك المنهمكين في الضلال {فَتَكُونَ} بواسطة طردهم وتبعيدهم {مِنَ ٱلظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52] الخارجين عن مقتضى العقل والشرع والمرءوة.
"روي أن قريشاً قالوا: لو طردت يا محمد هؤلاء السلفة - أرادوا عماراً وصهيباً وسلمان وغيرهم - جلسنا إليك وحدثنا معك فقال صلى الله عليه وسلم: وما أنا بطارد المؤمنين.
قالوا: فأقمهم من مجلسنا إن جلسنا معك.
قال له عمر رضي الله عنه: لو فعلت حتى تنظر ماذا يصيرون، فقبل صلى الله عليه وسلم.
قالوا: فاكتب بذلك كتاباً، فدعا بالصحيفة وبعلي ليكتب فنزلت"
: