التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١
إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ
٢
لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٣
-الممتحنة

تفسير الجيلاني

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى اتصافكم بالإيمان بالله وبوحدة ذاته، وكمالات أسمائه وصفاته: أن { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي } وهم الذين خرجوا من عروة وعبوديتي بإثبات الوجود لغيري { وَعَدُوَّكُمْ } إذ عداوتهم إياي مستلزمة لعداوتهم إياكم أيضاً؛ إذ صديق العدو كعدو الصديق { أَوْلِيَآءَ } أحباء، توالون معهم كأرباب المحبة والولاء، وتظهرون محبتهم ومودتهم إلى حيث { تُلْقُونَ } ترسلون { إِلَيْهِمْ } رسالة مشعرة { بِٱلْمَوَدَّةِ } الخالصة، المنبئة عن إفراط المحبة والإخاء { وَ } الحال أنهم { قَدْ كَفَرُواْ } وأعرضوا { بِمَا جَآءَكُمْ } أي: بعموم ما نزل على رسولكم { مِّنَ ٱلْحَقِّ } الحقيق بالإطاعة والاتِّباع، وبالغوا في الإعراض والإنكار إلى حيث { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ } أصالةً { وَإِيَّاكُمْ } تبعاً بوسطة { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } الذي رباكم على فطرة التوحيد والإيمان، وقبول دين الإسلام من النبي المبعوث إلى كافة الأنام؛ ليشردهم إلى دار السلام.
وبالجملة: { إِن كُنتُمْ } أيها المؤمنون الموحدون { خَرَجْتُمْ } عن أوطانكم، وبقاع إمكانكم { جِهَاداً } أي: لأجل الجهاد والقتال { فِي سَبِيلِي } أي: سبيل توحيدي، وترويج ديني، وإعلاء كلمة توحيدي { وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } في امتثال أمري، وإطاعة حكمي فلزمكم ترك موالاة أعدائي والمؤاخاة معهم، مع أنكم أنتم { تُسِرُّونَ } وتخفون { إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } ظناً منك أني لا أطلع على ما في سرائركم وضمائركم من محبة الأعداء ومودتهم { وَ } الحال أنه { أَنَاْ أَعْلَمُ } منكم { بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ } أي: بجميع ما تسرون وما تعلنون { وَ } بالجملة: { مَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي: الاتخاذ المذكور { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [الممتحنة: 1] أي: انحرف عن جادة العدالة الإلهية، ومال عن الصراط المستقيم الموصل إلى مقصد التوحيد.
واعلموا أيها المؤمنون أنكم، وإن بالغتم في إظهار المحبة والمودة بالنسبة إليهم، وهم بمكان من العداوة وشدة الخصومة إلى حيث { إِن يَثْقَفُوكُمْ } ويظفروا منكم بالفرض والتقدير { يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً } ألبتة، بل يظهروا العداوة { وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ } بالقتل والأسر وقطع العضو، والشتم المفرط، وأنواع الوقاحة، بل { وَوَدُّواْ } وتمنوا في أنفسهم دائماً { لَوْ تَكْفُرُونَ } [الممتحنة: 2] وترتدون عن دينكم، وتلتحقون بكفرهم.
فعليكم ألاَّ تبالوا بأقاربكم وأرحامكم من الكفرة، ولا تلتفتوا نحوهم؛ إذ { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ } قراباتكم { وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ } الذين أنتم توالون المشركين لأجلهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المعدة؛ لتنقيد الأعمال الصادرة عن كل نفس؛ إذ الله { يَفْصِلُ } ويفرق { بَيْنَكُمْ } يومئذٍ، فيجازي كلاً منكم حسب ما كسبوا خيراً كان أو شراً { وَٱللَّهُ } المطل على عموم أفعال عباده { بِمَا تَعْمَلُونَ } من الحسنات والسيئات { بَصِيرٌ } [الممتحنة: 3] يجازيكم عليه بمقتضى بصارته وخبرته.