التفاسير

< >
عرض

عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٧
لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٨
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٩
-الممتحنة

تفسير الجيلاني

ثمَّ لمَّا ورد النهي الإلهي على وجه المبالغة والتأكيد عن موالاة ذوي الأرحام والأقارب من الكفرة تبرأ المؤمنون من أقاربهم وعشائرهم المشركين، وعادوا معهم، إلاَّ أنهم أضمروا في نفوسهم حزناً وغماً، فوعد الله سبحانه لهم إيمان أقاربهم تسليةً لهم، وإزالةً لحزنهم، فقال: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ } أيها المؤمنون { وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } ومحبة خالصة جامعة بينكم وبينهم، ألا وهي الإسلام المسقِط لجميع الآثام { وَٱللَّهُ } المطلع على ما في ضمائرهم عباده { قَدِيرٌ } على ذلك الجمع المستلزم للمودة { وَٱللَّهُ } القادر المقتدر على جمعكم { غَفُورٌ } لفرطاتكم التي صدرت منكم { رَّحِيمٌ } [الممتحنة: 7] يرحمكم بمقتضى سعة رحمته وجوده.
ثمَّ لمَّا تحرَّج المؤمنون من عدم موالاتهم مع أقاربهم الكفرة، وذوي أرحامهم المشركين إلى حيث قدمت قتيلة بنت عبد العزى مشركة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا فلم تأذن لها بالدخول، ولم تقبل هديتها، فنزلت: { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ } الحكيم العليم { عَنِ } المشركين { ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } ولم ينهكم { أَن تَبَرُّوهُمْ } ولا تحسنوا إليهم؛ إذ لا سبب للنهي عن ودادة هؤلاء { وَ } عليكم أن { تُقْسِطُوۤاْ } وتفيضوا { إِلَيْهِمْ } بالقسط الإلهي على مقتضى الوصلة الموضوعية بينكم بالوضع الإلهي { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8] المعتدلين في عموم الأحوال، سيما على ذوي القربى.
بل { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ } العليم الحكيم { عَنِ } مولاة أقربائكم { ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ } يعني: مكة - شرفها الله - { وَ } الذين { ظَاهَرُواْ } أعانوا ونصروا { عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ } وإن لم يباشروا بجوارحهم، لكن أعانوا على المباشرين المخرجين بالقول والمال، وإيقاع الفتنة؛ لذلك نهاكم سبحانه { أَن تَوَلَّوْهُمْ } وتختلطوا معهم، وتوالوهم؛ إي: المجرمين والمعاونين { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ } منكم بعد وورد النهي { فَأُوْلَـٰئِكَ } الموالون { هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [الممتحنة: 9] الخارجون عن مقتضى النهي الوارد من قِبَل الحق فيستحقون العذاب الأليم؛ بسبب خروجهم عن مقتضى النهي الإلهي.