التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ
١٤
-الصف

تفسير الجيلاني

ثمَّ قال سبحانه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم: نصرة دين الله، وتقوية رسوله { كُونُوۤاْ } بأموالكم وأنفسكم { أَنصَارَ ٱللَّهِ } وأنصار رسوله، وقولوا في مقابلة نبيكم ما قال الحواريون في مقابلة عيسى عليه السلام { كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ } مختبراً إخلاصهم ومحبتهم، ونهاية مرتبتهم في اليقين، ودرجتهم في أعلى عليين: { مَنْ أَنَّصَارِيۤ } وأعواني في توجهي { إِلَى ٱللَّهِ } وانتشار توحيده بين أظلاله المستمدين من أظلال أوصافه وأسمائه؟.
وبعدما سمعوا منه ما سمعوا { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } من كمال انكشافهم بالله وتوحيده، وتحققهم في مقام الشهود، وتمكنهم فيه: { نَحْنُ } الفانون في الله، الباقون ببقائه، المستغرقون بمطالعة لقائه { أَنصَارُ ٱللَّهِ } وأحباؤه؛ إذ لا مرجع لنا سواه، ولا مقصد إلا إياه.
والحواريون هم أول من آمن بعيسى عليه السلام من الحور، وهو البياض، وهم اثنا عشر، سُموا به؛ لصفاء عقائدهم عن التردد والتلوين، وبعدما أظهر عيسى عليه السلام دعوته بين الأنام { فَآمَنَت } به عليه السلام { طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت } به عليه السلام { طَّآئِفَةٌ } أخرى منهم، وبعد وقوع الخلاف والاختلاف { فَأَيَّدْنَا } وغلَّبنا الطائفة { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } منهم { عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ } يعني: الطائفة الذين كفروا به عليه السلام { فَأَصْبَحُواْ } وصاروا؛ أي: المؤمنون { ظَاهِرِينَ } [الصف: 14] غالبين على الكفرة بالحراب والحجة، ألا إن
{ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [المائدة: 56]؟!
جعلنا الله وعموم عباده من محبيهم، ومقتفي أثرهم بمنِّه وجوده.
خاتمة السورة
عليك أيها الموحد المحمدي، المنجذب نحو الحق، المنخرط في سلوك أرباب التوحيد الملقَّبين بأنصار الله، المهاجرين عن كورة بقعة الناسوت نحو مدينة الوحدة اللاهوتية، وسواد أعظم الفقر - أعانك الله إلى أن تصل أقصى مرامك، وأعلى مقامك من المعرفة والتوحيد - أن تجمع همك، وتشمر ذيلك لسلوط سبيل الفناء من طريق الموت الإرادي المثمَّر للفناء المطلق عن الفناء أيضاً؛ لتفوز بالبقاء الأزلي السرمدي، ألا وهي طريقة الحضرة الختمية المحمدية، المبعوث إلى كافة البرية؛ لبيان طريق التوحيد الذاتي، المسقط لجميع الكثرات؟!
فلك أن تصفي سرك وضميرك عن نقوش مطلق المعتقدات، وصور عموم الرسوم والعادات المنافية لصرافة الوحدة الذاتية، وتقتفي أثر نبيك صلى الله عليه وسلم أمثال الحواريين أثر نبيهم بلا شوب وريب؛ لينكشف لك طريق المعرفة واليقين بعد توفيق الله، وجذب من جانبه، وطول خدمته الشريفة النبوية، والنواميس المصطفوية، وإياك إياك الالتفات إلى الدنيا وما فهيا، ليمكن لك التصفية والتخلية التي هي مقدمة الكشف والشهود.
هدانا الله إلى سبيل توحيده بفضله وطوله.