التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٢
كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ
٤
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
-الصف

تفسير الجيلاني

{ سَبَّحَ لِلَّهِ } ونزهه بكمال التقديس والتنزيه جميع { مَا } ظهر { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي: العلويات { وَمَا } ظهر { فِي ٱلأَرْضِ } أي: السفليات { وَ } كيف لا يتوجه نحوه عموم الموجودات؛ إذ { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب على مطلق المقدورات والمرادات { ٱلْحَكِيمُ } [الصف: 1] المقتن في جميع التدبيرات والتقديرات؟!
ثمَّ لمَّا عاهد المسلمون مع الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فنزل: { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ } [الصف: 4]، فولوا يوم أُحد منهزمين، ولم يوفوا بعهدهم، فنزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم: الوفاء بالعهد { لِمَ تَقُولُونَ } وقت المعاهدة والميثاق مع الله { مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 2] ولا توفون وقت الوفاء.
واعلموا أيها المؤمنون أنه { كَبُرَ مَقْتاً } وعظم جريمة وذنباً { عِندَ ٱللَّهِ } المنتقم الغيور { أَن تَقُولُواْ } وتعاهدوا معه سبحانه { مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 3] وقت الوفاء، ولا تنجزوا المعهود الموعود.
{ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ } لترويج دينه، وإعلاء كلمة توحيده { صَفّاً } مصطفين مظاهرين، متعاونين { كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [الصف: 4] منمضد محكم، مضمم بعضها مع بعض بحيث لا فرج فيها ولا شقوق.
ثمَّ اعلموا أن عدم وفائكم بالعهود لا ينقص شيئاً من عظمته، كما أن وفائكم لا تزيد فيها، لكن نقضكم الميثاق يؤذي النبي، وإيذاء النبي مستلزم لإيذاء الله وبغضه، وإرادته المقت والغضب على المؤذي { وَ } اذكر يا أكمل الرسل للمناقضين قصة تأذي أخيك موسى الكليم - صلوات الله عليه - من قومه وقت { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } حين رموه بالبغية، وعيروه بالأدرة: { يٰقَوْمِ } ناداهم وأضافهم إلى نفسه على مقتضى ملاينة أرباب الرسالة مع أممهم؛ لينزجروا عن سوء الأدب { لِمَ تُؤْذُونَنِي } بأمثال هذه المفتريات الباطلة البعيدة بمراحل عن الصدق { وَ } الحال أنكم { قَد تَّعْلَمُونَ } يقيناً بما جئت لكم من المعجزات الساطعة، الدالة على صدقي في دعواي { أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ } المرسل من عنده بمقتضى وحيه { إِلَيْكُمْ } لإرشادكم إلى سبيل الهداية الموصلة إلى معرفة الحق وتوحيده، ومقتضى علمكم: ألاَّ تؤذوني، فلم تؤذونيي؟!
{ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ } ومالوا عن الحق، وانحرفوا عن مقتضى الفطرة الأصلية الإلهية { أَزَاغَ ٱللَّهُ } المقلب للقلوب { قُلُوبَهُمْ } وصرفها عن قبول الحق والميل إليه فضلوا عن سواء السبيل، واستحقوا الويل العظيم، والعذاب الأليم { وَ } بالجملة: { ٱللَّهُ } العليم الحكيم { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [الصف: 5] الخارجين عن مقتضى الفطرة الأصلية التي هي الهداية الموصلة إلى معرفة الحق وتوحيده.