التفاسير

< >
عرض

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١
هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٤
مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٥
-الجمعة

تفسير الجيلاني

لذلك { يُسَبِّحُ } ويقدس { لِلَّهِ } الواحد الأحد، المنزَّه عن مطلق التحديد مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } تسبيحاً وتقديساً، مقروناً بكمال التذلل والخضوع إلى الملك { ٱلْمَلِكِ } المتسلط بالاستيلاء التام، والسلطنة القاهرة الغالبة على مملكة الوجود { ٱلْقُدُّوسِ } المنزَّه الطاهر ذاته عن سمة الحدوث، ووصمة الإمكان { ٱلْعَزِيزِ } الغالب على عموم المقدورات بكمال الاستيلاء والاستقلال { ٱلْحَكِيمِ } [الجمعة: 1] المقتن في مطلق التدابير الجارية في عالم التصاوير بلا فتور وقصور.
{ هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ } بمقتضى كمال قدرته وحكمته { فِي ٱلأُمِّيِّينَ } المنسلخين عن مطلق الإملاء والإنشاء المشعر بالتدبر والتفكر بمقتضى العقل الفطري الموهب لهم من حضرة العليم الحكيم { رَسُولاً } أمياً أمثالهم، ناشئاً { مِّنْهُمْ } وأيده بروح القدس بعدما أصفاه من دنس الجهل، واصطفاه من بين الملل، وفضَّله على جميع أرباب النحل، وجعله في كمال المعارف والحقائق الإلهية، بحيث { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ } عموم { آيَاتِهِ } الدالة على وحدة ذاته، وعلى كمال أسمائه وصفاته { وَيُزَكِّيهِمْ } عن مطلق النقائض والآثام المنافية لدين الإسلام، المبين للتوحيد الذاتي.
{ وَ } بالجملة: { يُعَلِّمُهُمُ } بمقتضى الوحي الإلهي { ٱلْكِتَابَ } أي: القرآن الجامع لما في الكتب السالفة من الحكم والأحكام على أبلغ بيان، وأبدع نظام { وَٱلْحِكْمَةَ } أي: الأحكام الشرعية المنزلة من عند العليم الحكيم العلاَّم { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ } أي: وإنهم كانوا قبل بعثته صلى الله عليه وسلم { لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الجمعة: 2] وغواية ظاهرة؛ لأنهم كانوا على فترة من الرسل.
{ وَ } لم يختص بعثته صلى الله عليه وسلم بالأميين من الأعراب الموجودين عند بعثته صلى الله عليه وسلم بل يعم { آخَرِينَ مِنْهُمْ } أي: من عموم المكلفين { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أي: حين يتبعوا بالأولين إلى يوم القيامة؛ إذ خُتم ببعثته صلى الله عليه وسلم أمر البعثة ، وكمل عند ظهوره صلى الله عليه وسلم بنيان الدين القويم الذي هو صراط التوحيد الذاتي { وَهُوَ } سبحانه { ٱلْعَزِيزُ } الغالب على عموم التقادير { ٱلْحَكِيمُ } [الجمعة: 3] المطلق في جميع الأفعال والتدابير.
{ ذَلِكَ } أي: التوحيد الذايت الذي ظهر به صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين { فَضْلُ ٱللَّهِ } العزيز الحكيم { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } من عباده بلا سبق الوسائل والأسباب العادية { وَٱللَّهُ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [الجمعة: 4] الذي لا يُكتنه وصف فضله وطوله أصلاً.
ثمَّ قال سبحانه تعريضاً على الكفرة المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنه قد ورد في كتبهم المنزلة عليهم بعثته وحليته صلى الله عليه وسلم، وهم مؤمنون بها، مصدقون بجميع ما فيها سوى بعثته صلى الله عليه وسلم، وما جاء فيها من أوصافه صلى الله عليه وسلم الدالة على علو شأنه، ورفعة قدره ومكانه، وبالجملة: { مَثَلُ } القوم { ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } أي: علموها وكلِّفوا بما فيها من الأوامر والنواهي، ومطلق الأحكام { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } ولم ينتفعوا، ولم يصدقوا بما فيها، سيما نعوت الحضرة الختمية المحمدية صلى الله عليه وسلم، مثلهم في حمل التوراة عليهم، وتكليفاً لهم { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } كتباً من العلم يحمل عليه، ويتعب بثقلها، ولا ينتفع بها { بِئْسَ } المثل { مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على عظمة ذاته، ومتانة حكمه وحكمته في عموم مأموراته ومنهياته { وَ } بالجملة: { ٱللَّهُ } العليم الحكيم، المتقن في أفعاله { لاَ يَهْدِي } إلى توحيد { ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [الجمعة: 5] الخارجين عن مقتضى عبوديته بمتابعة شياطين أمّاراتهم بسوء.