التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
٦
زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٧
فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٨
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
-التغابن

تفسير الجيلاني

{ ذَلِكَ } الويل والوبال عليهم في النشأة الأولى والأخرى { بِأَنَّهُ } أي: بسبب أن النشأة الأولى والأمر فيما بينهم هكذا { كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم } من عند الله مؤيَّدين { بِٱلْبَيِّنَاتِ } الواضحات، والمعجزات الباهرات { فَقَالُوۤاْ } بعدما عجزوا عن معارضة معجزاتهم الساطعة، وحججهم القاطعة على سبيل التعدب والإنكار: { أَبَشَرٌ } مثلنا { يَهْدُونَنَا }؟! كلا وحاشا أن يكون البشر هادين للبشر، وبالجملة: { فَكَفَرُواْ } بالرسل والمرسِل، والمرسَل به جميعاً { وَتَوَلَّواْ } عن التدبر والتفكر في الحجج والبينات { وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } عن كل شيء فضلاً عن هدايتهم وطاعتهم { وَٱللَّهُ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { غَنِيٌّ } في ذاته طلق مظاهره ومصنوعاتهخ، فكيف عن إيمانهم وعبادتهم؟! { حَمِيدٌ } [التغابن: 6] حسب أوصافه وأسمائه، مستغن عن حمد الحامدين.
ومن كمال جهلهم بالله، وإصرارهم على إنكار قدرة الله على عموم المقدورات: { زَعَمَ } بل ادَّعى العلم المسرفون المعاندون { ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } بالله، وأنكروا قدرته على البعث والنشور { أَن لَّن يُبْعَثُواْ } من قبورهم، ولن يُحشروا إلى المحشر؛ للحساب والجزاء، وأصرّوا على هذا الزعم الفاسد، والجهل الظاهر، واعتقدوه حقاً، وخيلوه صدقاً مكابرةً وعناداً.
{ قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما بالغوا في إنكار البعث: { بَلَىٰ } تبعثون أيها المنكرون الجاحدون { وَ } حق { رَبِّي } الذي ربَّاني قابلاً لوحيه وإلهامه، ومهبطاً لعموم أحكامه المنزلة من عنده { لَتُبْعَثُنَّ } ألبتة { ثُمَّ } بعد البعث والحشر { لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ } أي: جميع ما اقترفتم في النشأة الأولى، ولتحاسبن عليها، وتجازُنّ بمقتضاه، بحيث لا يشذ شيء منها { وَذَلِكَ } التفصيل والإحصاء { عَلَى ٱللَّهِ } العليم البصير { يَسِيرٌ } [التغابن: 7] وإن كان عندكم مشكل عسير.
وبعدما سمعتم من كمال قدرة الله، وإحاطة علمه وخبرته { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } المستخلف منه { وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا } معه تأييداً له، وتبيناً لدينه؛ يعني: القرآن الفارق بين الحق والباطل { وَٱللَّهُ } المطلع على ما في استعداداتكم { بِمَا تَعْمَلُونَ } بمقتى القرآن، وتمتثلون بأوامره ونواهيه، وبما تذبون عنه وتعرضون منكرين لما فيه من الأوامر والنواهي، والعبر والأحكام، والمعارف والحقائق، والرموز والإشارات { خَبِيرٌ } [التغابن: 8] يجازيكم على مقتضى خبرته.
اذكروا أيها المكلفون { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ } الله { لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } والحشر؛ لأجل الحساب والجزاء؛ إذ يجتمع فيه الملائكة والثقلان { ذَلِكَ } اليوم { يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } أي: يوم ظهور التغابن والغرور الواقع في نشأة الاختبار الابتلاء { وَ } بالجملة: { مَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ } ويقر بوحدانيته سبحانه { وَيَعْمَلْ } عملاً { صَالِحاً } ليزيد به الإيمان؛ حتى يصير علمه عياناً، وعيانه حقاً وبياناً { يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ } ويمحوها عن صحيفة أعماله { وَيُدْخِلْهُ } بمقتضى فضله ولطفه { جَنَّاتٍ } منتزهات العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } المملوءة بمياه المعارف والحقائق المترشحة عن بحر الحياة الأزلي الأبدي، لا يتحولون من التلذذ بها والتحقق دونها، بل يصيرون { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ } التفكير والإدخال لأرباب العناية والإفضال { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [التغابن: 9] واللطف الجسيم، وبالجملة: لا فوز أعظم منه وأكمل.