التفاسير

< >
عرض

أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ
٢١
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٢٢
قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
٢٣
قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٢٥
قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٢٦
-الملك

تفسير الجيلاني

{ أَمَّنْ هَـٰذَا } الرازق المتكفل لأرزاقكم { ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ } ويسوق إليكم ما يسد رمقكم { إِنْ أَمْسَكَ } سبحانه { رِزْقَهُ } بإمساك المطر، وسائر الأسباب والآلات التي تتوسلون بها إلى أرزقاكم، هل لكم متمسك تتمسكون به، وتثقون عليه سواه سبحانه أصلاً؟! كلا وحاشا، ليس لكم إلاَّ هذا { بَل لَّجُّواْ } تمادوا وأصروا على اللجاج، وصاروا دائماً { فِي عُتُوٍّ } لدد وعناد { وَنُفُورٍ } [الملك: 21] عن الحق وقبوله تعنتاً واستكباراً.
ثمَّ قال سبحانه مستفهماً على سبيل التوبيخ: { أَ } يعتقدون الآثار الظاهرة في الأقطار من الوسائل والأسباب، ولم ينسبوها إلى المؤثر المسبب لها المختار، وسلكتم في هذا الطريق بأنواع الإنكار والإصرار { فَمَن } أي: فهل من { يَمْشِي } ويمضي { مُكِبّاً } ساقطاً { عَلَىٰ وَجْهِهِ } لوعرة طريقه، وظلمة سبيله { أَهْدَىٰ } إلى مقصده، وأرشد إلى مطلوبه { أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً } مستقيماً سالماً عن التزلزل والسقوط، راكباً { عَلَى } متن { صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الملك: 22] وطريق واضح بلا عثور وقصور؟! مثَّل بهما سبحانه للمشرك المتشبث بالعقل، المنعزل عن الرشد والهداية، وللمؤمن المستمسك بالعروة الوثقى التي هي الشرع القويم الموصل إلى توحيد الحق.
{ قُلْ } يا أكمل الرسل لمن أنكر وحدة الحق، واسقتلاله ف يمطلق التصرفات الواقعة في عالم الكون والفساد: { هُوَ } سبحانه القادر المقتدر { ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ } وأظهركم من كتم العدم إنشاءً إبداعياً { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ } لتسمعوا به المواعظ، والآثار والأخبار الصادرة عن أولي العزائم الصحيحة، المجتازين نحو فضاء اللاهوت بانخلاعهم عن كسوة الناسوت مطلقاً { وَٱلأَبْصَارَ } لتنظروا بها في ملكوت السماوات والأرض فتعتبروا منها إلى مبدعها العليم الحكيم { وَٱلأَفْئِدَةَ } لتتفطنوا بها إلى عجائب حكمته، وبدائع قدرته؛ كي تنكشفوا بوحدته، وتتشرفوا بوصلته، لكن { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [الملك: 23] أي: الشاكرون الصارفون لهذه النعم العظام إلى ما خلقت لأجله، قليل في غاية القلة.
{ قُلْ } يا أكمل الرسل لمن أنكر قدرتنا على الحشر والنشر، والحساب والجزاء على جميع الأمور الواقعة في النشأة الأخرى { هُوَ } سبحانه العزيز الغالب، ذو القدرة والاختبار { ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ } أي: بثكم وبسطكم بمقتضى قدرته { فِي ٱلأَرْضِ } التي هي محل الكون والفساد، وكلفكم على الإيمان والأعمال، واختبركم بالأوامر والنواهي { وَ } كما أبدعكم أولاً بامتداد أظلاله، ورش نوره على مرآة العدم، أعادكم أيضاً بقبض أضلاله وأنواره إلى ذاته، فثبت أنكم { إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [الملك: 24] للجزاء، فيجازيكم على مقتضى ما قترفتم من المأمورات الإلهية.
{ وَيَقُولُونَ } من كمال استبعادهم وإنكارهم: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } الموعود الذي وعدتم الجزاء والحساب، والثواب والعقاب فيه، أخبرونا عن وقوعه في أيّ زمان، وإن وقع؟ { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الملك: 25] يعنون: النبي والمؤمنين.
{ قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما ألحوا عليك، وألجئوك إلى التعيين: { إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ } المتعلق لتعيين وقته { عِنْدَ ٱللَّهِ } لا يطلع عليه أحد من خلقه { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ } بمقتضى الوحي الإلهي { مُّبِينٌ } [الملك: 26] مظهر مبلغ ما يوحى إليّ من عنده على وجهه، لا طريق لي بوقوع المعهود إلا الوحي، ولم يوح إليَّ تعيينه، فكيف أتكلم عنه؟! فعليكم ألاَّ تستعجلوا وقوعه.