{أَمَّنْ هَـٰذَا} الرازق المتكفل لأرزاقكم {ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ} ويسوق إليكم ما يسد رمقكم {إِنْ أَمْسَكَ} سبحانه {رِزْقَهُ} بإمساك المطر، وسائر الأسباب والآلات التي تتوسلون بها إلى أرزقاكم، هل لكم متمسك تتمسكون به، وتثقون عليه سواه سبحانه أصلاً؟! كلا وحاشا، ليس لكم إلاَّ هذا {بَل لَّجُّواْ} تمادوا وأصروا على اللجاج، وصاروا دائماً {فِي عُتُوٍّ} لدد وعناد {وَنُفُورٍ} [الملك: 21] عن الحق وقبوله تعنتاً واستكباراً.
ثمَّ قال سبحانه مستفهماً على سبيل التوبيخ: {أَ} يعتقدون الآثار الظاهرة في الأقطار من الوسائل والأسباب، ولم ينسبوها إلى المؤثر المسبب لها المختار، وسلكتم في هذا الطريق بأنواع الإنكار والإصرار {فَمَن} أي: فهل من {يَمْشِي} ويمضي {مُكِبّاً} ساقطاً {عَلَىٰ وَجْهِهِ} لوعرة طريقه، وظلمة سبيله {أَهْدَىٰ} إلى مقصده، وأرشد إلى مطلوبه {أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً} مستقيماً سالماً عن التزلزل والسقوط، راكباً {عَلَى} متن {صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الملك: 22] وطريق واضح بلا عثور وقصور؟! مثَّل بهما سبحانه للمشرك المتشبث بالعقل، المنعزل عن الرشد والهداية، وللمؤمن المستمسك بالعروة الوثقى التي هي الشرع القويم الموصل إلى توحيد الحق.
{قُلْ} يا أكمل الرسل لمن أنكر وحدة الحق، واسقتلاله ف يمطلق التصرفات الواقعة في عالم الكون والفساد: {هُوَ} سبحانه القادر المقتدر {ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ} وأظهركم من كتم العدم إنشاءً إبداعياً {وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ} لتسمعوا به المواعظ، والآثار والأخبار الصادرة عن أولي العزائم الصحيحة، المجتازين نحو فضاء اللاهوت بانخلاعهم عن كسوة الناسوت مطلقاً {وَٱلأَبْصَارَ} لتنظروا بها في ملكوت السماوات والأرض فتعتبروا منها إلى مبدعها العليم الحكيم {وَٱلأَفْئِدَةَ} لتتفطنوا بها إلى عجائب حكمته، وبدائع قدرته؛ كي تنكشفوا بوحدته، وتتشرفوا بوصلته، لكن {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23] أي: الشاكرون الصارفون لهذه النعم العظام إلى ما خلقت لأجله، قليل في غاية القلة.
{قُلْ} يا أكمل الرسل لمن أنكر قدرتنا على الحشر والنشر، والحساب والجزاء على جميع الأمور الواقعة في النشأة الأخرى {هُوَ} سبحانه العزيز الغالب، ذو القدرة والاختبار {ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ} أي: بثكم وبسطكم بمقتضى قدرته {فِي ٱلأَرْضِ} التي هي محل الكون والفساد، وكلفكم على الإيمان والأعمال، واختبركم بالأوامر والنواهي {وَ} كما أبدعكم أولاً بامتداد أظلاله، ورش نوره على مرآة العدم، أعادكم أيضاً بقبض أضلاله وأنواره إلى ذاته، فثبت أنكم {إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الملك: 24] للجزاء، فيجازيكم على مقتضى ما قترفتم من المأمورات الإلهية.
{وَيَقُولُونَ} من كمال استبعادهم وإنكارهم: {مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ} الموعود الذي وعدتم الجزاء والحساب، والثواب والعقاب فيه، أخبرونا عن وقوعه في أيّ زمان، وإن وقع؟ {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الملك: 25] يعنون: النبي والمؤمنين.
{قُلْ} يا أكمل الرسل بعدما ألحوا عليك، وألجئوك إلى التعيين: {إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ} المتعلق لتعيين وقته {عِنْدَ ٱللَّهِ} لا يطلع عليه أحد من خلقه {وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ} بمقتضى الوحي الإلهي {مُّبِينٌ} [الملك: 26] مظهر مبلغ ما يوحى إليّ من عنده على وجهه، لا طريق لي بوقوع المعهود إلا الوحي، ولم يوح إليَّ تعيينه، فكيف أتكلم عنه؟! فعليكم ألاَّ تستعجلوا وقوعه.