{ نۤ } أيها النبي النائب عن الحق، الناظر بنور الله، النقي عن جميع الرذائل والآثام المنافية لمرتبة النبوة والولاية { وَ } حق { ٱلْقَلَمِ } الأعلى { وَ } بحق { مَا يَسْطُرُونَ } [القلم: 1] ويكتبون بها الملأ الأعلى من الأسماء والصفات المأمورة بتصويرات الأشياء الكائنة في النشأة الأولى والأخرى حسب آثار الأوصاف والأسماء الإلهية التي لا تُعدّ ولا تُحصى.
{ مَآ أَنتَ } يا أكمل الرسل المبعوث إلى كافة البرايا { بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } الذي ربَّاك على الهداية العامة، والولاية المطلقة، وأعطاك من الفضائل والكمالات المتعلقة لمرتبتي النبوة والولاية { بِمَجْنُونٍ } [القلم: 2] أي: ما أنت غافل عنها، ذاهل عن أداء حقها، جاهل بشكر نعمها ومولاها.
{ وَإِنَّ لَكَ } يا أكمل الرسل باحتمالك أعباء الرسالة والتبليغ، وتصبرك على أذيات أصحاب الزيغ والضلال { لأَجْراً } عظيماً من عند الله { غَيْرَ مَمْنُونٍ } [القلم: 3] منقطع أبد الآبدين؛ إذ ما يترتب على مرتبتك الجامعة من الكرامات اللائقة البديعة، لا انقطاع لها أصلاً.
{ وَإِنَّكَ } من كمال تخلقك بالأخلاق الإلهية، وتحققك بقمام الخلة والخلافة { لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4] لا خلق أعظم من خلقك؛ لحيازتك وجمعك خُلق الأولين والآخرين حسب جامعية مرتبتك.
وبالجملة: { فَسَتُبْصِرُ } يا أكمل الرسل { وَيُبْصِرُونَ } [القلم: 5] أولئك المصرفون المفرِّطون بنسبتك إلى الجنون حين تبلى السرائر، وينكشف ما في الضمائر، وينزل العذاب على أهله.
{ بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } [القلم: 6] أي: أيكم يفتن بالجنون: المؤمنون المهتدون بهدايتك، أو الكافرون الضالون بغوايتهم؟.
وبالجملة: { إِنَّ رَبَّكَ } الذي ربَّاك على الرشد والهداية { هُوَ أَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { بِمَن ضَلَّ } وانحرف { عَن سَبِيلِهِ } الموصل إلى توحيده { وَهُوَ } أيضاً { أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [القلم: 7] المتمكنين منهم على جادة التوحيد، والصراط المستقيم الموصل إلى جنة الرضا، وروضة التسليم.
وبعدما سمعت نبذاً من شأنك في شأنك في النشأة الأخرى: { فَلاَ تُطِعِ } أيها النبي المجبول على الهداية والفلاح { ٱلْمُكَذِّبِينَ } [القلم: 8] المجبولين على الغواية و الضلال؛ يعني: مشركي مكة؛ لأنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فنهاه سبحانه أن يطيعهم، ويقبل منهم دعوتهم.
فإنهم { وَدُّواْ } وأحبُّوا { لَوْ تُدْهِنُ } وتلائم معهم، وتوافقهم في دينهم { فَيُدْهِنُونَ } [القلم: 9] معك، ويلاينونك ويوافقون معك، ولا يطعنون بدينك.
{ وَ } بعدما صرت متخلفاً بالخلق العظيم، ومتصفاً بالأوصاف الحميدة الإلهية { لاَ تُطِعْ } آراء ذوي الأخلاق الذميمة، والأطوار القبيحة مطلقاً، سيما { كُلَّ حَلاَّفٍ } مبالغ بالحلف الكاذب؛ لترويج آراء ذوي الباطل الزاهق الزائل { مَّهِينٍ } [القلم: 10] مهان عند الناس؛ بسبب الكذب والحلف عليه.
{ هَمَّازٍ } عيَّاب طعَّان يغتاب ويطعن بعض الناس عند بعضهم { مَّشَّآءٍ } يدور بين الناس { بِنَمِيمٍ } [القلم: 11] أي: ينقل حديث بعض عن بعض؛ حتى يوقع بينهم الفتنة والبغضاء.
{ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } شحيح بخيل لا ينفق من ماله على من يستحقه، ويمنع أيضاً صاحبه وصديقه عن الإنفاق؛ لئلا يلحق العار عليه خاصة { مُعْتَدٍ } مجاوز الحد في أنواع الظلم، وأصناف الفسوق والعصيان { أَثِيمٍ } [القلم: 12] مبالغ في اقتراف الإثمَّ والعدوان بلا مبالاة.
{ عُتُلٍّ } غليظ الهيكل، قاس القلب، كريه المنظر، عريض القفا، متناهٍ في البلادة { بَعْدَ ذَلِكَ } الاتصاف بالأوصاف المذمومة المذكورة { زَنِيمٍ } [القلم: 13] دعي بين القوم، لا يكون له نسب معروف، ولا حسب مستحسن مقبول.
ومن كمال دناءته وخساسته { أَن كَانَ } أي: أنه كان { ذَا مَالٍ } عظيم { وَبَنِينَ } [القلم: 14] كثيرة مستحقة شكر المنعم المفضل، ولم يشكره.
بل يكفره؛ لأنه { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا } الدالة على وحدة ذاتنا، وكمالات أسمائنا وصفاتنا { قَالَ } من كمال كفره وكفرانه، وبغيه وعدوانه: ما هذا إلاَّ { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [القلم: 15] أي: الأكاذيب القديمة التي سطرها الأولون ودونوها.
قيل: هذا الوليد بن المغيرة الذي جمع الله فيه هذه المثالب الذميمة.