التفاسير

< >
عرض

نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ
١
مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
٢
وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ
٣
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ
٤
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ
٥
بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ
٦
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
٧
فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ
٨
وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
٩
وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ
١٠
هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ
١١
مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
١٣
أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ
١٤
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٥
-القلم

تفسير الجيلاني

{ نۤ } أيها النبي النائب عن الحق، الناظر بنور الله، النقي عن جميع الرذائل والآثام المنافية لمرتبة النبوة والولاية { وَ } حق { ٱلْقَلَمِ } الأعلى { وَ } بحق { مَا يَسْطُرُونَ } [القلم: 1] ويكتبون بها الملأ الأعلى من الأسماء والصفات المأمورة بتصويرات الأشياء الكائنة في النشأة الأولى والأخرى حسب آثار الأوصاف والأسماء الإلهية التي لا تُعدّ ولا تُحصى.
{ مَآ أَنتَ } يا أكمل الرسل المبعوث إلى كافة البرايا { بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } الذي ربَّاك على الهداية العامة، والولاية المطلقة، وأعطاك من الفضائل والكمالات المتعلقة لمرتبتي النبوة والولاية { بِمَجْنُونٍ } [القلم: 2] أي: ما أنت غافل عنها، ذاهل عن أداء حقها، جاهل بشكر نعمها ومولاها.
{ وَإِنَّ لَكَ } يا أكمل الرسل باحتمالك أعباء الرسالة والتبليغ، وتصبرك على أذيات أصحاب الزيغ والضلال { لأَجْراً } عظيماً من عند الله { غَيْرَ مَمْنُونٍ } [القلم: 3] منقطع أبد الآبدين؛ إذ ما يترتب على مرتبتك الجامعة من الكرامات اللائقة البديعة، لا انقطاع لها أصلاً.
{ وَإِنَّكَ } من كمال تخلقك بالأخلاق الإلهية، وتحققك بقمام الخلة والخلافة { لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4] لا خلق أعظم من خلقك؛ لحيازتك وجمعك خُلق الأولين والآخرين حسب جامعية مرتبتك.
وبالجملة: { فَسَتُبْصِرُ } يا أكمل الرسل { وَيُبْصِرُونَ } [القلم: 5] أولئك المصرفون المفرِّطون بنسبتك إلى الجنون حين تبلى السرائر، وينكشف ما في الضمائر، وينزل العذاب على أهله.
{ بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } [القلم: 6] أي: أيكم يفتن بالجنون: المؤمنون المهتدون بهدايتك، أو الكافرون الضالون بغوايتهم؟.
وبالجملة: { إِنَّ رَبَّكَ } الذي ربَّاك على الرشد والهداية { هُوَ أَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { بِمَن ضَلَّ } وانحرف { عَن سَبِيلِهِ } الموصل إلى توحيده { وَهُوَ } أيضاً { أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [القلم: 7] المتمكنين منهم على جادة التوحيد، والصراط المستقيم الموصل إلى جنة الرضا، وروضة التسليم.
وبعدما سمعت نبذاً من شأنك في شأنك في النشأة الأخرى: { فَلاَ تُطِعِ } أيها النبي المجبول على الهداية والفلاح { ٱلْمُكَذِّبِينَ } [القلم: 8] المجبولين على الغواية و الضلال؛ يعني: مشركي مكة؛ لأنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فنهاه سبحانه أن يطيعهم، ويقبل منهم دعوتهم.
فإنهم { وَدُّواْ } وأحبُّوا { لَوْ تُدْهِنُ } وتلائم معهم، وتوافقهم في دينهم { فَيُدْهِنُونَ } [القلم: 9] معك، ويلاينونك ويوافقون معك، ولا يطعنون بدينك.
{ وَ } بعدما صرت متخلفاً بالخلق العظيم، ومتصفاً بالأوصاف الحميدة الإلهية { لاَ تُطِعْ } آراء ذوي الأخلاق الذميمة، والأطوار القبيحة مطلقاً، سيما { كُلَّ حَلاَّفٍ } مبالغ بالحلف الكاذب؛ لترويج آراء ذوي الباطل الزاهق الزائل { مَّهِينٍ } [القلم: 10] مهان عند الناس؛ بسبب الكذب والحلف عليه.
{ هَمَّازٍ } عيَّاب طعَّان يغتاب ويطعن بعض الناس عند بعضهم { مَّشَّآءٍ } يدور بين الناس { بِنَمِيمٍ } [القلم: 11] أي: ينقل حديث بعض عن بعض؛ حتى يوقع بينهم الفتنة والبغضاء.
{ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } شحيح بخيل لا ينفق من ماله على من يستحقه، ويمنع أيضاً صاحبه وصديقه عن الإنفاق؛ لئلا يلحق العار عليه خاصة { مُعْتَدٍ } مجاوز الحد في أنواع الظلم، وأصناف الفسوق والعصيان { أَثِيمٍ } [القلم: 12] مبالغ في اقتراف الإثمَّ والعدوان بلا مبالاة.
{ عُتُلٍّ } غليظ الهيكل، قاس القلب، كريه المنظر، عريض القفا، متناهٍ في البلادة { بَعْدَ ذَلِكَ } الاتصاف بالأوصاف المذمومة المذكورة { زَنِيمٍ } [القلم: 13] دعي بين القوم، لا يكون له نسب معروف، ولا حسب مستحسن مقبول.
ومن كمال دناءته وخساسته { أَن كَانَ } أي: أنه كان { ذَا مَالٍ } عظيم { وَبَنِينَ } [القلم: 14] كثيرة مستحقة شكر المنعم المفضل، ولم يشكره.
بل يكفره؛ لأنه { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا } الدالة على وحدة ذاتنا، وكمالات أسمائنا وصفاتنا { قَالَ } من كمال كفره وكفرانه، وبغيه وعدوانه: ما هذا إلاَّ { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [القلم: 15] أي: الأكاذيب القديمة التي سطرها الأولون ودونوها.
قيل: هذا الوليد بن المغيرة الذي جمع الله فيه هذه المثالب الذميمة.