وبالجملة: لا تعطه يا أكمل الرسل، ولا تلتفت إلى ثروته وسيادته، فإنَّا بمقتضى قهرنا وجلالنا { سَنَسِمُهُ } ونُعلِّمه بالكيِّ { عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } [القلم: 16] أي: أنفه، بحيث يعرف به في عرصات المحشر.
{ إِنَّا } بمقتضى قهرنا وانتقاما من أهل مكة { بَلَوْنَاهُمْ } أصبناهم وابتليناهم بالقحط سبع سنين؛ لكفرانهم بنعمنا التي من معظمها: بعثة الرسول الذي هو أكمل الرسل منهم فكذبوه، وأنكروا دينه وكتابه، واستهزءوا به { كَمَا بَلَوْنَآ } وأصبنا { أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } التي اسمها ضروان، كانت دون صنعاء بفرسخين لصالحٍ، كان ينادي الفقراء وقت الصرام، فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا لضاق علينا، فإن المال قليل والعيال كثير، وكان مال أبينا كثيراً وعياله قليلاً، فحلفوا ليصرمنها مصبحين خيفةً من المساكين، كما حكى عنهم سبحانه: { إِذْ أَقْسَمُواْ } يعني: أولاد الصالح وورثته { لَيَصْرِمُنَّهَا } وليقطعنها { مُصْبِحِينَ } [القلم: 17] داخلين في الصباح.
{ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } [القلم: 18] أي: لا يتكلمون بكلمة: إن شاء الله حين تقاولوا وتقاسموا.
وبعدما اتفقوا على تحريم الفقراء، ولم يفوضوا أمرهم إلى مشيئة الله { فَطَافَ عَلَيْهَا } أي: على الجنة { طَآئِفٌ } بلا مخصوص بها أحاط جميع جوانبها، لا لما في حواليها من البساتين الأخرى، ناشئة { مِّن رَّبِّكَ } يا أكمل الرسل { وَهُمْ } حينئذٍ { نَآئِمُونَ } [القلم: 19] في بيوتهم.
{ فَأَصْبَحَتْ } الجنة، وصارت { كَٱلصَّرِيمِ } [القلم: 20] أي: صارت كالتي صُرم ثمَّارها بحيث لم يبق فيها شيء، أو صارت كالليل في أسودادها وإحراقها، أو كالنهار من غاية يبسه وجفافه.
{ فَتَنَادَوْاْ } أي: نادى بعضهم بعضاً حال كونهم { مُصْبِحِينَ } [القلم: 21] داخلين في الصباح المعهود للصرام.
{ أَنِ ٱغْدُواْ } واخرجوا غدوة أيها المُلاَّك { عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } [القلم: 22] قاصدين صرمها وقطعها.
{ فَٱنطَلَقُواْ } بأجمعهم نحوها { وَهُمْ } حينئذٍ { يَتَخَافَتُونَ } [القلم: 23] ويكتمون ذهابهم عن الناس، ويسرون كلامهم فيما بينهم.
مخافة { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } [القلم: 24].
{ وَ } بالجملة: { غَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ } قصد ت ام، وسرعة كاملة { قَادِرِينَ } [القلم: 25] على القطع بلا مشارك ومعين.
{ فَلَمَّا } وصلوا إليها { رَأَوْهَا } كذلك { قَالُوۤاْ } في بادئ الرأي: ما هي جنتنا هذه، بل { إِنَّا لَضَآلُّونَ } [القلم: 26] طريقها.
ثمَّ لمَّا تأملوا في أمَارتها قالوا على سبيل الإضراب عن القول الأول من كمال الأسف والحسرة: { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [القلم: 27] حرمنا عنها وعن خيراتها؛ لخساستنا وخباثة نفوسنا.