التفاسير

< >
عرض

وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ
١٦
وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
١٧
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ
١٨
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ
١٩
إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ
٢٠
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ
٢١
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
٢٢
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ
٢٣
كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ
٢٤
-الحاقة

تفسير الجيلاني

{ وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } أي: انحلت التئامها وتضامُّها، وتضعضعت بنيانها وأركانها { فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } [الحاقة: 16] ضعيفة منهدمة، منحلة الأجزاء.
{ وَٱلْمَلَكُ } أي: جنس الملك ينزلون { عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } أقطارها وأنحائها بعدما كانوا في حافاتها وحوافها { وَ } بعد تخريب السماوات وانهدامها { يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل { فَوْقَهُمْ } أي: فوق الملائكة النازلين على الأرجاء { يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [الحاقة: 17] من الملائكة بعدما كانوا قبل ذلك أربعة؛ إذ حملة العرش في النشأة الأولى أربعة، وفي النشأة الأخرى ثمَّانية، كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم في الحديث، كأنه أشار بالأربعة إلى أمهات الصفات الإلهية التي هي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، وبالثمَّانية إلى مجموع الصفات الذاتيةز
وبالجملة: { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } أيها الأظلال الهالكة على الله عرض العسكر على السلطان، بحيث { لاَ تَخْفَىٰ } وتستر { مِنكُمْ } في يوم العرض { خَافِيَةٌ } [الحاقة: 18] سر مستور محجوب على الله؛ حتى يكون العرش للإطلاع، بل الكل في حضرة علمه حاضر غير مغيب ومخفي، وإنما تعرضون؛ ليظهر كمال القسط والعدالة الإلهية بالنسبة إلى عموم العباد حتى ظهر أن الحجة البالغة لله.
ثمَّ فصَّل سبحانه أحوال العباد في الحساب والجزاء، وإتيان صحف أعمالهم؛ ليطالعوا فيها جميع ما اقترفوا في نشأة الاختبار، فقال: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ } لمن حوله فرحاً مسروراً: { هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ } [الحاقة: 19] أي: تعالوا اقرءوا كتابي.
{ إِنِّي ظَنَنتُ } في النشأة الأولى ظناً منتهياً إلى الجزم واليقين { أَنِّي } اليوم { مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [الحاقة: 20] على الوجه الأحسن، وبواسطة إيقاني وجزمي، كنت أخاف ألاَّ يصدر مني شيء أعاقب بسببه.
{ فَهُوَ } حينئذٍ { فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [الحاقة: 21] صاحبها عنها؛ لكونها صافية عن مطلق الكدورات.
{ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } [الحاقة: 22] رفيعة مكاناً ومكانة.
{ قُطُوفُهَا } ثمَّارها { دَانِيَةٌ } [الحاقة: 23] قريبة لمن ناولها، مهما أراد تناولها ناولها بلا مشقة وتعب.
ويقال لهم حينئذٍ: { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } من ثمَّار الجنة ومائها { هَنِيئَاً } سائغاً مريئاً، كل ذلك { بِمَآ أَسْلَفْتُمْ } وقدمتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة { فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [الحاقة: 24] الماضية في نشأة الاختبار، فيصور لكم بهذه الصور البديعة في النشأة الأخرى.