التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ
٢٥
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ
٢٦
يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ
٢٧
مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ
٢٨
هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ
٢٩
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ
٣٠
ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ
٣١
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ
٣٢
إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ
٣٣
وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ
٣٤
فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ
٣٥
وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ
٣٦
لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ
٣٧
-الحاقة

تفسير الجيلاني

{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ } بعدما رأى تفصيل المعاصي والمقابح الصادرة منه في نشأة الاعتبار، متمنياً متحسراً من كمال الضجرة والأسف المفرط: { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } [الحاقة: 25] هذا.
{ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } [الحاقة: 26] فيه.
{ يٰلَيْتَهَا كَانَتِ } هذه الحالة الآتية عليَّ { ٱلْقَاضِيَةَ } [الحاقة: 27] الفارقة الفاصلة بيني وبين الحياة، بحيث لم أصر حياً بعد هذه الحالة؛ حتى لا أُفتضح على رءوس الأشهاد.
ثمَّ قال متأسفاً متحسراً على ما مضى عليه: { مَآ أَغْنَىٰ } ودفع { عَنِّي } العذاب { مَالِيَهْ } [الحاقة: 28] أي: ما نُسب إليَّ من الأموال والأولاد والأتباع.
بل { هَّلَكَ } وضاع { عَنِّي } اليوم { سُلْطَانِيَهْ } [الحاقة: 29] أي: تسلطني على الناس، وتفوقي على الأقران.
وهو في أمثال هذه الهواجس على سبيل الحسرة والضجرة، قيل للموكَّلين من قِبَل الحق: { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } [الحاقة: 30] بالأغلال الضيقة الثقيلة.
{ ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ } العظيم المعهود الذي يُعدّ لأصحاب الثروة من الكفرة { صَلُّوهُ } [الحاقة: 31] واطرحوه.
{ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا } قدرها طولاً: { سَبْعُونَ ذِرَاعاً } بذراع لا يعرف طولها إلاَّ الله { فَاسْلُكُوهُ } [الحاقة: 32] وأدخلوه وألقوه به، بحيث يصير محفوفاً بها، لا يقدر على الحركة أصلاً.
وكيف لا يُعذب كذلك { إِنَّهُ } من كمال نخوته وتجبره { كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } [الحاقة: 33] المستحق للعبودية والإيمان عتواً وعناداً؟!
ولا شك أن من تعظَّم على الله العلي العظيم فقد استحق أعظم العذاب، واستوجب أشد النكال.
{ وَ } مع ذلك { لاَ يَحُضُّ } أي: لا يحب ولا يرضى { عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } [الحاقة: 34] إن أطعمه أحد فضلاً أن يطعمه هو نفسه من ماله.
{ فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا } أي: في يوم العرض والجزاء { حَمِيمٌ } [الحاقة: 35] قريب من أقاربه يحميه ويشفع له، كما في الدنيا.
{ وَلاَ طَعَامٌ } يأكله ويشبع منه { إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [الحاقة: 36] أي: غُسالة أهل النار، وما يسيل منهم من القيح والصديد.
وبالجملة: { لاَّ يَأْكُلُهُ } أي: الغسلين { إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } [الحاقة: 37] أي: أصحاب الخطايا والعصيان العظام، والجرائم الكبيرة والآثام.