التفاسير

< >
عرض

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً
١
يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً
٢
وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً
٣
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً
٤
وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً
٥
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً
٦
وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً
٧
-الجن

تفسير الجيلاني

{ قُلْ } يا أكمل الرسل لمن أنكر رسالتك على الثقلين: { أُوحِيَ إِلَيَّ } من قِبَل الحق { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } عند قراءتك القرآن { نَفَرٌ } طائفة، وهو يطلق على ما بين الثلاثة إلى العشرة { مِّنَ ٱلْجِنِّ } وهو جنس من جنود الحق ومظاهره، كجنس الملك، لا مناسبة بيننا وبينهم حتى ندركهم ونعرف حقيقتهم، وما لنا إلاَّ الإيمان بوجودهم وبأمثالهم؛ إذ ما يعلم جنود الحق إلاَّ هو، ولا يسع لنا الإنكار، سيما بعد ورود القرآن على وجودهم وتحققهم.
وبعدما سمعوا القرآن، ورجعوا إلى أصحابهم { فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا } من إنسان { قُرْآناً } كتاباً { عَجَباً } [الجن: 1] بديعاً نظماً وأسلوباً، غريباً معنى ودلالة، حاوياً للمعارف والحقائق الإلهية، محتوياً على دقائق طريق التوحيد والعرفان، ما هو من جنس كلام البشر، بل هو خارج عن مداركهم، متعالٍ عن مشاعرهم.
{ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ } والهداية الموصلة إلى مقصد الوحدة الذاتية { فَآمَنَّا بِهِ } واهتدينا بهديته إلى توحيد الحق { وَلَن نُّشرِكَ } أبداً { بِرَبِّنَآ } الذي وفقنا على توحيده { أَحَداً } [الجن: 2] من مظاهره ومصنوعاته؛ إذ المصنوع المربوب لا يصير شريكاً للرب الصانع القديم.
{ وَ } كيف يكون للرب الواحد الأحد الصمد شريكاً، مع { أَنَّهُ تَعَالَىٰ } تبارك وتقدس { جَدُّ رَبِّنَا } أي: عظمته وكبرياؤه من أن يكون له شريك في ملكه وملكوته، مع أنه الصمد الذي { مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } [الجن: 3] فيكف يتخذ شريكاً، مع أ،ه هو الواحد الأحد الصمد على الإطلاق، لم يكن له شريك في الملك ونظير في الوجود؟! فكبره تكبيراً، ونزه ذاته عمَّا يقول الظالمون علواً كبيراً.
{ وَ } بعدما آمنا بوحدة الحق وعرفناه وحيداً فريداً بلا شبيه ولا نظير، ولا وزير ولا مشير، عرفنا { أَنَّهُ } ما { كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } إبليس المردود المطرود { عَلَى ٱللَّهِ } المقدس ذاته عن مطلق المماثلة والمشاكلة في الوجود القيومية، وسائر الصفات الذاتية المصححة للألوهية والربوبية قولاً { شَطَطاً } [الجن: 4] باطلاً بعيداً عن الحق بمراحل، مجاوزاً عن الحد في الإفراط، تعالى شأنه عما ينسب إليه المبطلون المفرطون.
{ وَأَنَّا } كنا قبل انكشافنا بوحدة الحق، وتحققنا بمرتبة الشهود { ظَنَنَّآ أَن } أي: إنه { لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ } أي: جنس الإنس والجن المجبولين على فطرة العبودية والعرفان { عَلَى ٱللَّهِ } المعبود على الإطلاق { كَذِباً } [الجن: 5] قولاً زوراً باطلاً على سبيل الافتراء والمراء؛ لذلك اتبعناهم فيما قالوا ظلماً وعدواناً، وبعدما ظهر الحق، وكوشفنا بحقيقة الأمر تبرأنا عنهم وعن أقوالهم، وتبنا إلى الله، والتجأنا بكنف حفظه وجواره.
أعاذنا الله بلطفه من زيغ الزائغين، وإضلال الضالين المضلين.
{ وَ } كنا من قبل انكشافنا بوحدة الحق { أَنَّهُ } أي: الشأن { كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ } عند مرورهم بقفر، إذا أمسوا فيها كانوا يقولون: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، ومع استعاذتهم واستعانتهم { فَزَادُوهُمْ } أي: الجن والإنس { رَهَقاً } [الجن: 6] كبراً وعتواً، يختطفون عليهم ويخطبونهم.
{ وَ } ما ذلك الكبر والطغيان منهم بعدما استعاذوا إلاَّ { أَنَّهُمْ } أي: الجن { ظَنُّواْ } وزعموا { كَمَا ظَنَنتُمْ } وزعمتم أيها الناس الموسومون بالجهل والنسيان، والإنكار والطغيان { أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ } القادر المقتدر على الإعادة والإبداء { أَحَداً } [الجن: 7] من الجن والإنس؛ حتى يستوفي عليه حسابه وجزاءه؛ لذلك يجترئون ويزيدون في الإرهاق والطغيان، سيما الاستعاذة والإلجاء.