التفاسير

< >
عرض

لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
١٦
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
١٧
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ
١٨
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
١٩
كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ
٢٠
وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ
٢١
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ
٢٢
إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
٢٣
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ
٢٤
تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ
٢٥
-القيامة

تفسير الجيلاني

ثمَّ لمَّا استعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبادر بالتقاط الوحي من فيّ جبريل عليه السلام، إلى حيث سبق عليه بالتلفظ خوفاً من أن ينفلت منه شيء، نهى سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم عن ذلك تأديباً وإرشاداً فقال: { لاَ تُحَرِّكْ } يا أكمل الرسل { بِهِ } أي: بالقرآن { لِسَانَكَ } حين التقاطك من حامل الوحي؛ يعني: جبريل عليه السلام، قبل أن يتم وحيُّه وإلقاؤه لك { لِتَعْجَلَ بِهِ } [القيامة: 16] أي: لتأخذه على عجلة خوفاً من إفلاته عنك.
لا تخف { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } في خاطرك وضميرك { وَ } أيضاً علينا بعد جمعنا { قُرْآنَهُ } [القيامة: 17] وقراءته على لسانك على وجهه بلا فوت شيء منه، لا تتعب نفسك بالعجلة، ولا تستعجل بالالتفاظ قبل الالتمام.
وبعدما سمعت ما سمعت يا أكمل الرسل فأجر عليه، واذكر { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } أي: القرآن حين الوحي بلسان جبريل عليك { فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [القيامة: 18] أي: تذكر وتتبع قراءته.
{ ثُمَّ } تتبع تلاوته وتكرر حتى ينتقش في صحيفة خاطرك، ويترسَّخ في ذهنك، ثمَّ أجر على لسانك مراراً كذلك، ثمَّ إن بقي لك شك وتردد في معناه { إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة: 19] أي: تبيينه وتوضحه لك، وإزالة ترددك إشكالك عنه.
ثمَّ قال سبحانه: { كَلاَّ } ردعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم، وكفاً لعموم عباده عن العجلة في جميع الأمور مبالغةً وتأكيداً؛ لأن الإنسان مجبول على الاستعجال، مطبوع عليه؛ لذلك بالغ سبحانه في النهي عنه، وأردف بهذا النهي حسب العاجل والآجل، فقال على سبيل الإضراب: { بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } [القيامة: 20-21] يعني: إن بني آدم كلهم مجبولون على العجلة؛ لذلك يحبون ويختارون اللذة العاجلة الدنيوية مع سرعة انقضائها وزوالها، على اللذة الآجلة الآخروية مع بقائها ودوامها، وعدم انقضائها أصلاً، ويتركون الأعمال المقتضية لها.
لذلك { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } أي: يوم قيام الساعة { نَّاضِرَةٌ } [القيامة: 22] طريَّة بهيَّة مشرقة، يتلألأ منها أنوار اليقين والعرفان، وآثار الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية، وهي وجوه أرباب العناية الموفَّقين على صلاح الدارين، وفلاح النشأتين.
لذلك حينئذٍ { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 23] وبمطالعة لقائه مشرفة مسرورة.
{ وَوُجُوهٌ } أُخر { يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } عبوسة كلوحة، متغيرة مسودة.
بحيث { تَظُنُّ } بل يجزم كلُّ من نظر إليها { أَن يُفْعَلَ بِهَا } ويعرض عليها { فَاقِرَةٌ } [القيامة: 25] داهية شديدة، ومصيبة عظيمة تكسر فقار ظهرها من هولها وشدتها.