التفاسير

< >
عرض

وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً
١
فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً
٢
وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً
٣
فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً
٤
فَٱلْمُلْقِيَٰتِ ذِكْراً
٥
عُذْراً أَوْ نُذْراً
٦
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِعٌ
٧
فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ
٨
وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ
٩
وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ
١٠
وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ
١١
لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ
١٢
لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ
١٣
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ
١٤
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١٥
أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ
١٦
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ
١٧
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ
١٨
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١٩
-المرسلات

تفسير الجيلاني

{ وَ } حق { ٱلْمُرْسَلاَتِ } أي: رياح الجذبات المهبة من قِبَل عالم اللاهوت؛ لاسترواح أرواح سكان عالم الناسوت وأشباحهم { عُرْفاً } [المرسلات: 1] للتعارف والائتلاف الواقع بينهم بحسب الحقيقة.
{ فَٱلْعَاصِفَاتِ } النازعات ملابس الناسوت، وثياب الإمكان عن أرواح المحبين المنجذبين نحو الحق { عَصْفاً } [المرسلات: 2] سريعاً شديداً تخليصاً لهم عن سجن الطبيعة تفريجاً وترويجاً.
{ وٱلنَّاشِرَاتِ } المنتشرات على أرض استعدادات أرباب الطلب والإرادات المتوجهين نحو الحق بعزيمة خالصة { نَشْراً } [المرسلات: 3] ليناً هيناً، بحيث يوقظهم عن نوم الغفلة، ويخلصهم عن مضيق الضلال، ويرشدهم إلى فضاء الوصال.
{ فَٱلْفَارِقَاتِ } الواصلات إلى بقعة الإمكان من قِبَل الرحمن؛ ليفصلن ويفرقن لساكنيها بين الحق والباطل، والحرام والحلال، والهداية والضلال الواقعة في سلوط طريق الحق، وسبيل توحيده { فَرْقاً } [المرسلات: 4] بيناً واضحاً؛ ليتنبهوا إلى مبدئهم ومعادهم.
{ فَٱلْمُلْقِيَٰتِ } الملقنات لحوامل أثقال الطبيعة والأركان، المسجونين في سجن الإمكان، المقيدين بسلاسل الزمان، وأغلال المكان { ذِكْراً } [المرسلات: 5] حسناً من عالم اللاهوت، يجرونه على ألسنتهم؛ لعلهم يتذكرون بها مبدأهم الأصلي، ومنشأهم الحقيقي.
ليكون لهم ذكرهم هذا { عُذْراً } يزيل ويمحو سيئات عالم الناسوت، وآثام لوازم بقعة الإمكان بعدما تنبهوا بها إلى عالم اللاهوت، طرقوا نحوه مهاجرين من بقعة الناسوت { أَوْ نُذْراً } [المرسلات: 6] ينذرهم عن نيران الإمكان، وسعير الطرد والخذلان بعدما تذكروا نعيم عالم اللاهوت، وفضاء الجبروت.
يعني: وبحق هذه المقسمات العظام، المكرمات عند الله { إِنَّمَا تُوعَدُونَ } أيها المكلفون من قِبَل الحق في يوم العرض والجزاء { لَوَٰقِعٌ } [المرسلات: 7] محقق وقعه وثبوته بلا ريب وتردد.
وبعدما وقعت الواقعة، وقامت القيامة { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ } أي: الهويات المترتبة في عالم الكون والفساد { طُمِسَتْ } [المرسلات: 8] انمحقت وانمحت، وغابت وتلاشت عند ظهور شمس الذات.
{ وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ } أي: نظام عالم الكون والفساد { فُرِجَتْ } [المرسلات: 9] وانفصمت وتلاشت.
{ وَإِذَا ٱلْجِبَالُ } الرواسي التي هي أوتاد الأرض، وهي في الحقيقة عبارة عن الهياكل المحسوسة في عالم الكون والفساد { نُسِفَتْ } [المرسلات: 10] قلعت عن أماكنها، ثمَّ ذريت برياح الفناء.
{ وَإِذَا ٱلرُّسُلُ } المبعوثون؛ للإرشاد والتكميل، والإشهاد على صلاح العباد وسدادهم { أُقِّتَتْ } [المرسلات: 11] ووُقِّتَت؛ أي: غُيِّن لهم وقت الشهادة على أممهم بعدما أبهم عليهم وقتها في النشأة الأولى.
كأنه قيل لهم من قِبَل الحق: { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } [المرسلات: 12] وأُخرت شهادتهم؟.
وأجيب أيضاً من جانبه سبحانه: { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } [المرسلات: 13].
{ وَمَآ أَدْرَاكَ } وأعلمك يا أكمل الرسل { مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } [المرسلات: 14]؟ أبهمه سبحانه تهويلاً وتفخيماً.
وبالجملة: { وَيْلٌ } وهلاك مؤيد مستمر { يَوْمَئِذٍ } أي: في يوم الفصل { لِّلْمُكَذِّبِينَ } [المرسلات: 15] به، المنكرين له في النشأة الأولى، سيما بعد إخبار الرسل والكتب، وكيف يكذبونه وينكرون عليه أولئك الضالون المكذبون، مع أنهم قد سمعوا حال المكذبين المنكرين المَّاضين؟!
{ أَلَمْ نُهْلِكِ } المكذبين { ٱلأَوَّلِينَ } [المرسلات: 16] كقوم نوح وعاد وثمَّود، ولم نستأصلهم؛ بسبب إنكارهم المنكرين المَّاضين؟!
{ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } [المرسلات: 17] أي: نحن نُتبع ونُعقّب إهلاك الأولين بإهلاك الآخرين، كقوم شعيب وموسى وعيسى، وغيرهم أيضاً؛ بسبب تكذيب هذا اليوم، وتكذيب من أخبر به من الكتب والرسل.
وبالجملة: { كَذَلِكَ } أي: مثلما فعلنا بالمكذبين السابقين، والآخرين اللاحقين { نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } [المرسلات: 18] أي: بعموم هؤلاء المجرمين الحاضرين، المكذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآياته النازلة عليه.
لذلك { وَيْلٌ } عظيم { يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [المرسلات: 19].