{وَ} حق {ٱلْمُرْسَلاَتِ} أي: رياح الجذبات المهبة من قِبَل عالم اللاهوت؛ لاسترواح أرواح سكان عالم الناسوت وأشباحهم {عُرْفاً} [المرسلات: 1] للتعارف والائتلاف الواقع بينهم بحسب الحقيقة.
{فَٱلْعَاصِفَاتِ} النازعات ملابس الناسوت، وثياب الإمكان عن أرواح المحبين المنجذبين نحو الحق {عَصْفاً} [المرسلات: 2] سريعاً شديداً تخليصاً لهم عن سجن الطبيعة تفريجاً وترويجاً.
{وٱلنَّاشِرَاتِ} المنتشرات على أرض استعدادات أرباب الطلب والإرادات المتوجهين نحو الحق بعزيمة خالصة {نَشْراً} [المرسلات: 3] ليناً هيناً، بحيث يوقظهم عن نوم الغفلة، ويخلصهم عن مضيق الضلال، ويرشدهم إلى فضاء الوصال.
{فَٱلْفَارِقَاتِ} الواصلات إلى بقعة الإمكان من قِبَل الرحمن؛ ليفصلن ويفرقن لساكنيها بين الحق والباطل، والحرام والحلال، والهداية والضلال الواقعة في سلوط طريق الحق، وسبيل توحيده {فَرْقاً} [المرسلات: 4] بيناً واضحاً؛ ليتنبهوا إلى مبدئهم ومعادهم.
{فَٱلْمُلْقِيَٰتِ} الملقنات لحوامل أثقال الطبيعة والأركان، المسجونين في سجن الإمكان، المقيدين بسلاسل الزمان، وأغلال المكان {ذِكْراً} [المرسلات: 5] حسناً من عالم اللاهوت، يجرونه على ألسنتهم؛ لعلهم يتذكرون بها مبدأهم الأصلي، ومنشأهم الحقيقي.
ليكون لهم ذكرهم هذا {عُذْراً} يزيل ويمحو سيئات عالم الناسوت، وآثام لوازم بقعة الإمكان بعدما تنبهوا بها إلى عالم اللاهوت، طرقوا نحوه مهاجرين من بقعة الناسوت {أَوْ نُذْراً} [المرسلات: 6] ينذرهم عن نيران الإمكان، وسعير الطرد والخذلان بعدما تذكروا نعيم عالم اللاهوت، وفضاء الجبروت.
يعني: وبحق هذه المقسمات العظام، المكرمات عند الله {إِنَّمَا تُوعَدُونَ} أيها المكلفون من قِبَل الحق في يوم العرض والجزاء {لَوَٰقِعٌ} [المرسلات: 7] محقق وقعه وثبوته بلا ريب وتردد.
وبعدما وقعت الواقعة، وقامت القيامة {فَإِذَا ٱلنُّجُومُ} أي: الهويات المترتبة في عالم الكون والفساد {طُمِسَتْ} [المرسلات: 8] انمحقت وانمحت، وغابت وتلاشت عند ظهور شمس الذات.
{وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ} أي: نظام عالم الكون والفساد {فُرِجَتْ} [المرسلات: 9] وانفصمت وتلاشت.
{وَإِذَا ٱلْجِبَالُ} الرواسي التي هي أوتاد الأرض، وهي في الحقيقة عبارة عن الهياكل المحسوسة في عالم الكون والفساد {نُسِفَتْ} [المرسلات: 10] قلعت عن أماكنها، ثمَّ ذريت برياح الفناء.
{وَإِذَا ٱلرُّسُلُ} المبعوثون؛ للإرشاد والتكميل، والإشهاد على صلاح العباد وسدادهم {أُقِّتَتْ} [المرسلات: 11] ووُقِّتَت؛ أي: غُيِّن لهم وقت الشهادة على أممهم بعدما أبهم عليهم وقتها في النشأة الأولى.
كأنه قيل لهم من قِبَل الحق: {لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} [المرسلات: 12] وأُخرت شهادتهم؟.
وأجيب أيضاً من جانبه سبحانه: {لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ} [المرسلات: 13].
{وَمَآ أَدْرَاكَ} وأعلمك يا أكمل الرسل {مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ} [المرسلات: 14]؟ أبهمه سبحانه تهويلاً وتفخيماً.
وبالجملة: {وَيْلٌ} وهلاك مؤيد مستمر {يَوْمَئِذٍ} أي: في يوم الفصل {لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15] به، المنكرين له في النشأة الأولى، سيما بعد إخبار الرسل والكتب، وكيف يكذبونه وينكرون عليه أولئك الضالون المكذبون، مع أنهم قد سمعوا حال المكذبين المنكرين المَّاضين؟!
{أَلَمْ نُهْلِكِ} المكذبين {ٱلأَوَّلِينَ} [المرسلات: 16] كقوم نوح وعاد وثمَّود، ولم نستأصلهم؛ بسبب إنكارهم المنكرين المَّاضين؟!
{ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ} [المرسلات: 17] أي: نحن نُتبع ونُعقّب إهلاك الأولين بإهلاك الآخرين، كقوم شعيب وموسى وعيسى، وغيرهم أيضاً؛ بسبب تكذيب هذا اليوم، وتكذيب من أخبر به من الكتب والرسل.
وبالجملة: {كَذَلِكَ} أي: مثلما فعلنا بالمكذبين السابقين، والآخرين اللاحقين {نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ} [المرسلات: 18] أي: بعموم هؤلاء المجرمين الحاضرين، المكذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآياته النازلة عليه.
لذلك {وَيْلٌ} عظيم {يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 19].