التفاسير

< >
عرض

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ
١
عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ
٢
ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ
٣
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٤
ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٥
أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً
٦
وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً
٧
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً
٨
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً
٩
وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً
١٠
وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً
١١
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً
١٢
وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً
١٣
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً
١٤
لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً
١٥
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً
١٦
-النبأ

تفسير الجيلاني

{ عَمَّ } يعني: عن ما، وعن أيّ شيء وأمر { يَتَسَآءَلُونَ } [النبأ: 1] ويتقاولون فيما بينهم مراءً ومجادلةً؟.
{ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ * ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } [النبأ: 2-3] أي: يختلفون في قام الساعة الموعودة؛ لتنقيد أعمال العباد، والجزاء عليهم على وفقها، مع أن أمره أظهر من أن يشك فيه ويسأل عنه، ويستهزأ به، ويختلف فيه وفي وقوعه.
{ كَلاَّ } أي: من أين يتأتى لهم إنكاره والتساؤل فيه على وجه المراء، مع أنهم { سَيَعْلَمُونَ } [النبأ: 4] عن قريب، بل قربه كلمح البصر، بل هو أقرب؟!
{ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [النبأ: 5] حين ألم عليهم بغتة، وهم لا يشعرون.
وبالجملة: من أين يتأتى لهم إنكار يوم البعث والجزاء، هل ينكرون قدرتنا الكاملة على أمثاله؟!
{ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً } [النبأ: 6] لهم، ممهدة مبسوطة، ينتشرون عليه ويستريحون؟!
{ وَ } لم نجعل { ٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } [النبأ: 7] عليها تقريراً لها وتثبيتاً.
{ وَخَلَقْنَاكُمْ } أي: قدَّرنا أشباحكم أيها المكلفون { أَزْوَاجاً } [النبأ: 8] أصنافاً ذكراً وأنثى؛ لتتأنسوا وتناسلوا؟!
{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ } في الليالي { سُبَاتاً } [النبأ: 9] قطعاً عن الإحساس والحركة؛ ليحصل إرخاء الأعصاب والعضلات؛ لتستريحوا، وزالت كلا القوى وفتورها فتشتد بالاستراحة، وتشتغل بأفعالها في النهار بجرأة تامة، وقوة كاملة.
{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ } لكم { لِبَاساً } [النبأ: 10] غطاءً وغشاءً تستترون فيه، وتختفون به فيما فيه الإخفاء مطلوبكم.
{ وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } [النبأ: 11] وقتاً تطلبون فيه ما تعيشون من حوائجكم ومطعوماتكم وملبوساتكم.
{ وَبَنَيْنَا } بكمال قدرتنا، ومتانة حكمتنا { فَوْقَكُمْ سَبْعاً } سبع سماوات طباقاً { شِدَاداً } [النبأ: 12] أقوياء محكمات، مستحكمات لا يتأثرن بمر الدهور، وكر الإعصار كسائر الأبنية.
{ وَجَعَلْنَا } في خلالها { سِرَاجاً } مضيئاً متلألئ، مشتعشعاً { وَهَّاجاً } [النبأ: 13] حاراً سخيناً في غاية السخونة عند الانعكاس؛ لتنضج ما تحتاجون إليه في أمور معاشكم.
{ وَأَنزَلْنَا } أيضاً تتميماً لتربيتكم، وترتيب معيشتكم { مِنَ } السحب { ٱلْمُعْصِرَاتِ } بالرياح { مَآءً ثَجَّاجاً } [النبأ: 14] مطراً كثيراً الانصباب، متتالي القطر.
{ لِّنُخْرِجَ بِهِ } أي: بالماء { حَبّاً } تقتاتون به { وَنَبَاتاً } [النبأ: 15] تعلف به مواشيكم.
{ وَجَنَّاتٍ } متنزهات لكم وبساتين { أَلْفَافاً } [النبأ: 16] ملتفات أشجارها وثمارها من كثرتها وكثفاتها.
كل ذلك من المقدروات التي يتفطن منها العاقل المنصف على وقوع الحشر والنشر، وجميع الأمور الغيبية الموعودة في يوم الجزاء، بل جميع المقدورات الداخلة تحت قبضة القدرة الإلهية؛ إذ نسبة القدرة الكاملة الإلهية إلى هذه المقدورات وأمثالها، وإلى الأمور الموعودة فيها على السواء، والإرادة الكاملة الإلهية ترجع كلاًّ منها عند حلول ما قدَّر الله له من الوقت والأجل.
وبالجملة: من ترقى إدراكه عن مضيق الأُلف، وخرق حجب الرسوم والعادات، وخلص من ظلمات الأوهام والخيالات العائقة عن الوصول إلى وحدة الذات التي هي منيع عمم الخيرات، ومنشأ جميع الكمالات، انكشف له ولاح عنده أن أمر النشأة الأولى والأخرى وأمثالها، بل أضعافها وآلافهما في جنب القدرة الغالية الإلهية سهل يسير، لكن المحجوب المحبوس في عالم المحسوس المقيَّد بعقال العقل المبهوت، المشوب بالوهم المنحوس، والخيال المزور المنكوس، يتخيل حصر المظاهر والمجالي الإلهية بسراب عالم الطبيعة والهيولي؛ لذلك وقع فيما وقع من البلوى، وزلت نعله في سبيل القرب من المولى.
هب لنا من لدنك رحمة تنجينا من أمثال هذه المهالك، إنك أنت الوهاب.