التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً
١
وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً
٢
وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً
٣
فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً
٤
فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً
٥
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ
٦
تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ
٧
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ
٨
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
٩
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ
١٠
أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
١١
قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
١٢
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ
١٤
-النازعات

تفسير الجيلاني

{ وَ } حق { ٱلنَّازِعَاتِ } المخلِّصات أرواح عموم العباد عن محابس الطبائع والأركان { غَرْقاً } النازعات: 1] لاستغراقهم في لوازم الناسوت، ومقتضياتها المغشية صفاء عالم اللاهوت.
{ وَٱلنَّاشِطَاتِ } المنزعات المخرجات لنفوس أرباب المحبة والولاء المتشوقين إلى عالم العماء، وفضاء اللاهوت { نَشْطاً } [النازعات: 2] رفقاً ولطفاً؛ لكمال تحننهم وشوقهم إلى الخلاص.
{ وَٱلسَّابِحَاتِ } المخرجات أرواح الأبرار من أشباحهم هينات لينات، يقبضون رفقاً، ثمَّ يمهلون حتى يستريح، ثمَّ يقبضون، هكذا إلى أن يخلصوهم، كالسابح في المَّاء يتحرك، ثمَّ يستريح، ثمَّ يتحرك { سَبْحاً } [النازعات: 3] لكونهم سابحين في بحر الحيرة حتى وصلوا إلى بحر اليقين.
{ فَٱلسَّابِقَاتِ } أي: النفوس الفانية في الله، الباقية ببقائه، المبادرة إلى الخروج قبل نزول النازعات { سَبْقاً } [النازعات: 4] لكمال شوقهم وانبعاثهم، وتجرُّدهم عن ملابس عالم الناسوت، وانخلاعهم عن مقتضيات الطبيعة والأركان قبل حلول الأجل، وهجوم المخرجات المخلِّصات.
{ فَٱلْمُدَبِّرَاتِ } الموكلات على تدابير عموم المظاهر من الأرزاق والآجال، وجميع الأمور الجارية في عالم الكون والفساد { أَمْراً } [النازعات: 5] لكونهم مأمورين بها، موكَّلين عليها بمقتضى حكمة القدير العليم؛ يعني: وحق هذه الحوامل العظام، والموكلات الكرام لتبعثن من قبوركم، ولتحاسبن على أعمالكم أيها المكلفون.
اذكروا { يَوْمَ تَرْجُفُ } تتحرك وتضطرب { ٱلرَّاجِفَةُ } [النازعات: 6] المتقررة الساكنة التي لا حركة لها أصلاً، كالأرض وسائر الجمادات.
وبعد تحرك هؤلاء الجوامد { تَتْبَعُهَا } في الحركة والاضطراب والاندكاك { ٱلرَّادِفَةُ } [النازعات: 7] أي: العلويات السائرة المتحركة، حيث تتشقق السماوات، وتنتثر الكواكب، وبالجملة: تختلط العلويات بالسفليات وتتمازجان، بحيث لا علو ولا سفل.
ومن شدة الهول ونهاية الفزع { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } [النازعات: 8] قلقة حائرة، شديدة الاضطراب.
{ أَبْصَارُهَا } أي: أبصار أصحاب القلوب حينئذٍ { خَاشِعَةٌ } [النازعات: 9] شاخصة ذليلة من شدة الخوف والهول، مع أن هؤلاء الشاخصين الواجفين كانوا { يَقُولُونَ أَإِنَّا } في النشأة الأولى حين أخبرهم الرسل بالبعث والحشر على سبيل الاستبعاد والإنكار { لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } [النازعات: 10] أي: إلى الحالة التي كنَّا عليها؛ يعني: أنبعث أحياءً كما كنا من قبل؟!
ثمَّ يزيدون الإنكار على الإنكار بقولهم: { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } [النازعات: 11] بالية رميمة، نُبعث ونحيا؟! كلاًّ وحاشا، من أين يتأتى لنا هذا؟!
وبعدما استبعدوا واستكبروا بما استنكروا { قَالُواْ } منهمكين ومستهزئين: { تِلْكَ } الحالة المفروضة لو وقعت، ورددنا إلى الحياة بعد الموت، كما زعم هؤلاء المدَّعون؛ يعنون: الرسل، يحصل لنا { إِذاً كَرَّةٌ } عودة ورجعة { خَاسِرَةٌ } [النازعات: 12] ذا خسران وخذلان؛ لأننا كنا نكذِّب بها، ولا نصدِّق من أخبر بها، وبعدما وقعت كنَّا خاسرين خسراناً عظيماً.
وبعدما تقاولوا من بطرهم وخيلائهم ما تقاولوا، قيل لهم من قِبَل الحق، مقرّعاً على استماع استعداداتهم: لا تستبعدوا أمر الساعة، ولا تستصعبوها { فَإِنَّمَا هِيَ } أي: أمر الساعة وقيامها عند كمال قدرتنا الغالبة القاهرة { زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } [النازعات: 13] أي: نفخة واحدة، يُنفخ في الصور بأمرنا وحكمنا.
فإذا نفخت النفخة الثانية { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } [النازعات: 14] أي: فوجئ بنو آدم بأجمعهم فصاروا أحياءً على وجه الأرض، كما كانوا عليها في النشأة الأولى من الهيئات والأشكال، والهياكل والهويات.