التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
١
إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٢
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣
أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٤
-الأنفال

تفسير الجيلاني

{ يَسْأَلُونَكَ } أي: أصحابك لك أيها الرسول، المبعوث على الخق العظيم { عَنِ ٱلأَنْفَالِ } أي: قسمة الغنائم، عبَّر سبحانه عنها بالنفل، وهو في اللغة: عطية زائدة اشترطها الإمام لمن اقتحم على محل الخطر زيادة على سهمه؛ لأنها زائدة على سهام الغزاة المجاهدين، المقاتلين في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الحق طلباً لمرضاته، وما يترتب عليه من أموال الدنيا بمنزلة النفل والعطية الزائدة على سهامهم التي هي المثوبة العظمى والمرتبة العليا عند الله.
{ قُلِ } لهم يا أكمل الرسل: { ٱلأَنفَالُ } كلها { لِلَّهِ } ومن مال الله، وقسمتها مفوض إليه سبحانه { وَ } إلى { ٱلرَّسُولِ } المستخلف منه، النائب عنه بإذنه { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أيها المؤمنون عن مخالفة أمره وأمر رسوله { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أي: الحالة والعداوة التي وقعت بينكم بوسوسة الشيطان وإغوائه { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي: انقادوا أمرهما ولا تتجاوزوا عن حكمهما { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [الأنفال: 1] موقنين بتوحيد الله وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم.
{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } الكاملون في الإيمان، المتحققون بمرتبة اليقين والعرفان، المصدقون بالرسل المبين لهم طريق التوحيد، هم { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد، المتفرد بالألوهية، المتوحد بالربوبية { وَجِلَتْ } أي: خافت وترهبت، واضطربت { قُلُوبُهُمْ } من سطوة سلطنة عظمته وجلاله { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ } الدالة على بسطته وكبريائه؛ النازلة على رسله وأنبيائه { زَادَتْهُمْ } تلك الآيات { إِيمَٰناً } وتصديقاً وإذعاناً، ويقيناً وعياناً وعرفاناً { وَ } هم من كمال يقينهم وعرفانهم { عَلَىٰ رَبِّهِمْ } لا على غيره من الأسباب الناقصة { يَتَوَكَّلُونَ } [الأنفال: 2] أي: يتوصلون ويستعينون في جميع الأمور لتحققهم وتمكنهم ي مقام التوحيد المسقط للالتفات إلى غير الحق مطلقاً.
{ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } أي: يديمون الميل إلى الله في جميع حالاتهم مراقبين لفيضه وجذب من جانبه { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } من كد يمينهم { يُنفِقُونَ } [الأنفال: 3] في سبيله؛ طلباً لمراضاته.
{ أُوْلۤـٰئِكَ } السعداء المقبولون عند الله { هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } المتحققون بمرتبة الإذعان والإيقان { حَقّاً } ثابتاً مستقراً بلا اضطراب وتزلزل { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ } عظيمة { عِندَ رَبِّهِمْ } من درجات العلم والعين والحق { وَمَغْفِرَةٌ } ستر لأنانيتهم وتعيناتهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال: 4] معنوي بدلها، يرزقون بها فرحين عنايةً من الله؛ لأن من توجه نحو الحق، ومال إلى جانبه ميلاً مسقطاً للتوجه إلى الغير مطلقاً، وخرج عن لوازم الإمكان إلى حيث ينفق ويبذل جميع ما نسب إليه من أموال الدنيا إعراضاً عنها، مخرجاً محبتها من قلبها أعطلى له سبحانه بدل إخلاصه من الرزق المعنوي ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر عى قلب بشر.