التفاسير

< >
عرض

وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ
١
ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ
٢
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
٣
أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ
٤
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ
٥
يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٦
كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
٧
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ
٨
كِتَابٌ مَّرْقُومٌ
٩
-المطففين

تفسير الجيلاني

{ وَيْلٌ } عظيم، وعذاب أليم { لِّلْمُطَفِّفِينَ } [المطففين: 1] الذين ينقصون المكيال والميزان، ويبخسون حقوق الناس، سمَّاهم سبحانه مطففين؛ لأنهم يسرقون من الحقوق طفيفاً حقيراً على جه الدناءة والخساسة، وهو لمن أخس الأفعال الذميمة، وأدناها وأخبثها.
في الحديث - صلوات الله وسلامه على قائله: "ما نقص العهد قوم إلاَّ سلَّط الله عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلاَّ فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلاَّ فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلاَّ منعوا الثبات، وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلاَّ حبس عليهم الفطر"، وهم { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي: أخذوا منهم لأنفسهم { يَسْتَوْفُونَ } [المطففين: 2] ويزيدون على المكيال قليلاً قليلاً ترجيحاً لأنفسهم عليهم.
{ وَإِذَا كَالُوهُمْ } أي: للناس { أَوْ وَّزَنُوهُمْ } لأجلهم { يُخْسِرُونَ } [المطففين: 3] يُنقصون منه قليلاً قليلاً ترجيحاً لغبطتهم عليهم، مع أن الكيل والوزن إنما هو للتسوية والتعديل.
ثمَّ قال سبحانه على وجه التعجب والتشنيع: { أَلا يَظُنُّ } بل يستقين { أُوْلَـٰئِكَ } المسرفون المفرطون بارتكاب هذه الخصلة الذميمة { أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } [المطففين: 4]؟!
{ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } [المطففين: 5] لعظم ما فيه من الشدائد والأهوال، وأنواع الأفزاع والأحزان، سيما على أهل العصيان؛ إذ يفتضحون على رءوس الأشهاد.
{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ } بأجمعهم؛ لأجل العرض { لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [المطففين: 6] ليحكم عليهم سبحانه على مقتضى السؤال والحساب، إمَّا بالجنة وإمَّا بالنار.
ثمَّ قال سبحانه: { كَلاَّ } ردعاً للمطفيين بفجورهم، وخروجهم عن مقتضى العدالة الإلهية الموضوعة فيما بينهم بالقسط؛ يعني: كيف يخرجون على مقتضاها { إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ } أي: ثبت فيه تفاصيل أعمالهم وأفعالهم، وأخلاقهم وأطوارهم المذمومة كلها مضبوطة محفوظة فيه، محكوم عليهم من قِبَل الحق بمقتضى ما في كتبهم أنهم { لَفِي سِجِّينٍ } [المطففين: 7] أي: مقرهم في الدرك الأسفل من النار؟!
ثمَّ أبهمه سبحانه تهويلاً وتفخيماً فقال: { وَمَآ أَدْرَاكَ } أيها المسرف المفرط { مَا سِجِّينٌ } [المطففين: 8] ما لم تقع فيه، ولم تذق من عذابه ونكاله؟!
وبالجملة: كتاب الفجار { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [المطففين: 9] مسطور بين الرقوم والرسوم، يعرفه من نظر إليه ألاَّ خير فيه، ولا نفع في ضمنه، بل إنما هو مشعر بأنواع العذاب والعقاب.