التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ
١
وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ
٢
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
٣
قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ
٤
ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ
٥
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ
٦
وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ
٧
وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
٨
ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٩
-البروج

تفسير الجيلاني

{ وَٱلسَّمَآءِ } أي: وحق سماء الأسماء والصفات المتشعشعة المتجلية في عالم اللاهوت { ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [البروج: 1] من النفوس القدسية القابلة لانعكاسها وتشعشعها، المستعدة لفيضان أنوارها الذاتية.
1-9
والانكشاف التام المنعكس عن عالم العماء عند ارتفاع سدل الأسماء والصفات عن البين.
{ وَ } اتحاد { شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } [البروج: 3] في العين، إنكم أيها المحجوبون عن الله، المطرودون عن ساحة عز حضوره، المعلونون مردودون عن كنف قربه وجواره، يعني: كفار مكة - لعنهم الله - لأن السورة نازلة في تثبيت المؤمنين على أذاهم.
كما { قُتِلَ } ولُعن { أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } [البروج: 4] الخد: الشق في الأرض وغيرها. رُوي أنه كان لملك ساحر فكبر، فضم إليه غلاماً؛ ليعلمه، وكان في طريق الغلام را هب يستمع منه كلاماً، فرأى في طريقه يوماً حية حبست الناس، فأخذ الغلام حجراً فقال: اللهم إن كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها، فقتلها، وكان بعد ذلك يبرئ الأكمه والأبرص، ويشفي المريض، فعمي جليس للملك، فابرأه، فأسلم، فسأله الملك: من أبرأك؟ فقال: ربي.
فغضب الملك عليه، فعذبه فدل على الغلام، فعذبه فدل على الراهب، فقده بالمنشار، وذهب بالغلام إلى جبل؛ ليُطرح من أعلاه، فرجف بالقوم، فطاحوا ونجا الغلام، فذهب به إلى سفينة؛ ليغرق، فكفأت السفينة بمن معه ونجا.
وقال الغلام للملك: لست بقاتلي حتى تأخذ سهماً من كنانتي، وتقول: بسم الله رب الغلام، ثمَّ ترميني به، فرماه فقال: بسم الله رب الغلام، فأصاب صدغه، فوضع عليه يده فمات، فآمن الناس.
وقيل للملك: نزل بك ما كنت تحذر، فأمر بحفر أخاديد، فأوقدت فيها النيران، فمن لم يرجع منهم طرحه فيها حتى جات امرأة مع صبي رضيع، فتقاعست فقال الرضع بإلهام الله إياه، مع أنه في غير أوان تكلمه، مثل عيسى النبي - صلوت الله عليه -: يا أماه اصبري، فإنك على الحق، فأقتُحمت في { ٱلنَّارِ } بدل من لفظه: الأخدود، بدل الاشتمال { ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } [البروج: 5] والحطب الكثير تهويلاً عليهم بشدة التهابها وسورتها؛ لينزجروا عما اختاروا، ويعودوا عن الإسلام والتوحيد.
ثمَّ لمَّا طُرح المؤمنون فيها التهبت النار التهاباً شديداً، وخرجت على أطرافها فأحرقت كثيراً من صناديد أولئك الظلمة { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا } وفي أطرافها { قُعُودٌ } [البروج: 6] قاعدون على الكراسي حول النار.
{ وَهُمْ } أي: رؤساؤهم { عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } أي: الموكلون { بِٱلْمُؤْمِنِينَ } من الأخذ والإفناء { شُهُودٌ } [البروج: 7] عدول مشرفون من قِبَل الملك، أمناء من جانبه، أقعدهم حولها؛ لئلا يتهاون الأعونة في إهلاك المؤمنين، وطرحهم في النار.
{ وَ } بالجملة: { مَا نَقَمُواْ } وانتقموا أولئك الظالمون المنهمكون في بحر الغي والعدوان { مِنْهُمْ } أي: من المؤمنين بهذا الانتقام الصعب الهائل { إِلاَّ } أنهم كرهوا منهم، واستكرهوا عليهم { أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد، الحي القوم، الحقيق بالإيمان والإطاعة { ٱلْعَزِيزِ } الغالب القاهر على من دونه من السّوى والأغيار مطلقاً { ٱلْحَمِيدِ } [البروج: 8] المستحق لأصناف الأثنية والمحامد استحقاقاً ذاتياً ووصفياً.
وكيف لا يكون سبحانه عزيزاً حميداً، مع أنه القادر { ٱلَّذِي لَهُ } وفي حيطة قدرته وإرادته { مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي: مظاهر العلويات والسفليات، وما بينهما من الممتزجات؟! { وَ } كيف لا، هو { ٱللَّهُ } المستقل بالألوهية والوجود { عَلَى كُلِّ شَيْءٍ } لمع عليه برق وجوده { شَهِيدٌ } [البروج: 9] حاضر غير مغيب؟!