{لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} أي: ليس من عادة المؤمنين الاستئذان منك إلى الخروج نحو القتال مطلقاً، بل هم منتظرون دائماً، متهيئون دائماً أسبابهم، مترصدون إلى {أَن يُجَاهِدُواْ} في سبيل الله {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} وينتهزون الفرصة بالمسابقة حين أمروا، فيكف أن يتأذنوا بالقعود وعدم الخروج، والمعذرون متألمون متحسرون بكون في زاوية الحرمان، محزنون ملهوفون متأسفون؛ لذلك وعد لهم سبحانه من فضله درجة عظيمة {وَٱللَّهُ} المطلع لضمائر عباده {عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ} [التوبة: 44] الذين يحفظون نفوسهم من مخالفة أمر الله وأمر رسوله بلا عذرٍ شرعي.
بل: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ} بالقعود والتخلف {ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ} وتوحيده {وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} المعدّ لجزاء الأعمال {وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ} لعدم اطمئنانها ورسوخها بالإيمان والتوحيد {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ} المركوز في جبلتهم {يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45] يتحيرون؛ ويتذبذبون لا إلى هؤلاء وإلى هؤلاء.
{وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ} وقصدوا الوفاق مع المؤمنين كما أظهروا {لأَعَدُّواْ} وهيأوا {لَهُ عُدَّةً} أهبة وأسباباً {وَلَـٰكِن} لخبث باطنهم وانهماكهم في الضلال {كَرِهَ ٱللَّهُ} المطلع على قساوة قلوبهم {ٱنبِعَاثَهُمْ} أي: اهتزازهم وتحركهم نحو القتال {فَثَبَّطَهُمْ} لذلك وحبسهم، وأقعدهم في مكانهم بإلقاء الرعب والكسل في قلوبهم {وَ} كأنه {قِيلَ} لإسماعهم تضليلاً لهم وتغريراً: {ٱقْعُدُواْ} أيها المنهمكون في الغفلة {مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46] من النساء والصبيان، والمرضى والزمناء.