التفاسير

< >
عرض

وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ
١
وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ
٢
وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٣
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ
٤
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ
٥
وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٦
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ
٧
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ
٨
وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٩
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ
١٠
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ
١١
-الليل

تفسير الجيلاني

{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } [الليل: 1] أي: وحق الهوية الغيبية الإلهية المتمكنة في مكمن العماء، المشغي لنقوش الكثرات المترتبة على الأسماء والصفات من شدة بريقها ولمعانها.
{ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [الليل: 2] أي: وحق الهوية الشهادية الإلهية، الظاهرة في عالم البروز والجلاء، المظهرة لآثار الأسماء والصفات إظهاراً للحكمة البالغة التي هي ترتب الإيمان والعرفان على تلك الآثار.
{ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [الليل: 3] أي: وحق القادر الحكيم الذي خلق وقدّر وصوّر برزخ الإنسان المصوَّر على صورة الرحمن، الجامع لعموم مراتب الأكوان؛ حيث ركبَّه وأودع فيه من الحصص اللاهوتية الغيبية والناسوتية الشهادية، ثمَّ كُلِّف بالتكاليف الشاقة؛ ليترقى من حضيض الناسوت إلى ذروة اللاهوت؛ لذلك استخلفه واطصفاه وانتخبه من عموم مظاهره؛ ليترتب على مرتبة هذه المصلحة العليّة والخصلة السنيّة، وإنما خلقه زوجاً؛ ليدوم في نشأة الشهادة وجود مرتبته التي هي الغاية القصوى لنشأة الشهادة.
ثمَّ قال سبحانته جواباً للقسم، مخاطباً على أفراد الإنسان؛ تربية لهم وتنبيهاً على مفاسدهم ومصالحهم: { إِنَّ سَعْيَكُمْ } الذي سيعتم به أيها المكلفون في نشأة الاختبار { لَشَتَّىٰ } [الليل: 4] مختلفة متفاوتة حسب تفاوت ما أودع الله فيكم من الحصص المذكورة.
{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } مما ساق له الحق من الرزق الصوري والمعنوي، مقارناً للخشوع والخضوع وخلوص النية والطوية وأنواع الطاعات والعبادات المأمورة له { وَٱتَّقَىٰ } [الليل: 5] عن مطلق المحارم والمنهيات التي وردت الزواجر الإلهية فيها.
{ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } [الليل: 6] أي: صدّق بعموم مقتضيات الأسماء الإلهية وبآثار صفاتها العليا التي لا تُعدّ ولا تُحصى.
{ فَسَنُيَسِّرُهُ } أي: نُعدُّه ونوفِّقه { لِلْيُسْرَىٰ } [الليل: 7] للطريق السهلة الموصلة إلى مقصد التوحيد، والمعرفة المنجية عن غياهب الشكوك وظلمَّات الأوهام.
{ وَأَمَّا مَن بَخِلَ } ولم ينفق على مقتضى ما أمره الحق { وَٱسْتَغْنَىٰ } [الليل: 8] عن مقتضيات الأسماء { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } [الليل: 9].
{ فَسَنُيَسِّرُهُ } ونستعده { لِلْعُسْرَىٰ } [الليل: 10] أي: للطريق العَسِرة الوعرة، التي هي طريق الكفر والمعصية المؤدية إلى أودية الشهوات الإمكانية، المستلزمة للدركات النيرانية.
{ وَ } بعدما نأخذه في النشأة الأخرى بسبب بخله وكفره { مَا يُغْنِي } يكف ويدفع { عَنْهُ مَالُهُ } شيئاً من غضب الله { إِذَا تَرَدَّىٰ } [الليل: 11] أي: هوى وهلك في قعر جهنم الإمكان وسعير النيران.