التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
١
وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ
٢
ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ
٣
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
٤
فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٥
إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٦
فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ
٧
وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ
٨
-الشرح

تفسير الجيلاني

{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح: 1] يا أكمل الرسل من اجتبينا، واصطفينا للنيابة والرسالة، ولم نفسح ونوسع خلدك لقول الآيات الواردة عليك منَّا، والامتثال بالأحكام الموردة من لدنا، مع كونك أمياً، عارياً، خالياً عنها وعمَّا يترتب عليها؟.
وبعدما شرحنا لك صدرك لشعائر الإسلام ومعالم الدين ومراسم التوحيد اجتبيناك للرسالة والتبليغ إلى عموم الأنام { وَ } بعدما أمرناك بالرسالة { وَضَعْنَا } أي: أزلنا { عَنكَ وِزْرَكَ } [الشرح: 2] أي: ثقلك الطارئ عليك من حِمل أعباء الرسالة وأداء التبليغ.
{ ٱلَّذِيۤ } من غاية شدته وثقله { أَنقَضَ } أي: قسم وكسر { ظَهْرَكَ } [الشرح: 3] لأنك أمي، ذاهل عن مطلق الأحكام، مأمور بها؛ لذلك ثقل وضاق عليك الأمر.
{ وَ } بعدما وفَّقناك على تبليغ الرسالة، وأيدناك بالآيات الموردة المنزلة في موارد الأحكام { رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 4] حيث قرنَّا اسمك باسمنا، وخلَّفناك عنَّا واخترناك لخلافتنا ونيابتنا؛ لذلك أنزلنا في شأنك:
{ مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء: 80]، { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10] إلى غير ذلك من الآيات، وأيّ رفع وكرامة أعلى وأعظلم من ذلك؟!
وبعدما كرمناك بأمثال هذه الكرامات العلية لا تيأس من سعة روحنا ورحمتنا وإعانتنا وإغاثتنا، ولا تحزن على أذى قومك واستهزائهم، وتطاول معاداتهم وعنادهم معك { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ } الذي قد عرض عليك ولحق بك من قبلهم { يُسْراً } [الشرح: 5] ناشئاً من قبل الحق، مقابلاً واصلاً إليك من حيث لا تحتسب.
ثمَّ كرر سبحانه تأكيداً { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ } الذي ألم بك الآن { يُسْراً } [الشرح: 6] منَّا مترقباً كيفما اتفق.
وفي تعريف العسر وأعادته معرفة وتنكير اليسر وإعادته نكرة أيضاً إشعار بقلة طرق العسر وأسبابه، وكثرة طرق اليسر وموجباته.
يعني: لا تيأس من العسر الطارئ عليك أحياناً معهودة معدودة عن يسر ملازم لك في أكثر الأوقات والأزمان، مصاحب معك في جميع حالاتك.
وبعدما أمرناك بتبليغ الرسالة وأرسلناك لنشرها، فلك أن تمتثل بالمَّامور على مقتضى الوحي والإلهام { فَإِذَا فَرَغْتَ } عن الدعوة والتبليغ على مقتضى منصب النبوة والرسالة { فَٱنصَبْ } [الشرح: 7] نفسك وأتعبها بالمجاهدات والرياضات القالعة لعرق لوازم الإمكان عن أصله على مقتضى رتبة الولاية.
{ وَ } بالجملة: { إِلَىٰ رَبِّكَ } لا إلى غيره من وسائل المظاهر وأسبابها { فَٱرْغَبْ } [الشرح: 8] في خلواتك وصلواتك، في عموم حالاتك ومقاماتك، بلا روية الوسائل في البين، والوسائط في العين.
خاتمة السورة
عليك أيها الطالب الراغب إلى الله، القاصد للعكوف حول بابه أن تفرغ همَّك عن مطلق الأماني والآمال وعموم الأشغال المانعة عن الوصول إلى فنائه، وترغب عن الدنيا وما فيها، وتتوجه نحو الحق من طريق الفناء، وتطرح لوازم الحياة المستعارة بالكلية حتى تصل إلى مرتبة الموت الإرادي المستلزم للبقاء الأبدي السرمدي.
جعلناه الله من زمرة أرباب الرغبة إلى المولى وعن الدنيا، بمنِّه وجوده.