التفاسير

< >
عرض

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ
١
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ
٢
لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
٣
تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
٤
سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ
٥
-القدر

تفسير الجيلاني

{ إِنَّا } من مقام عظيم لطفنا وجودنا لعموم عبادنا { أَنزَلْنَاهُ } أي: القرآن المبيِّن لهم طريق النجاة من نيران الجهالات { فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [القدر: 1] الغيبي التي لا إطلاع لأحد عليها إلاَّ لعلام الغيوب.
لذلك أبهم سبحانه على حبيبه صلى الله عليه وسلم، فقال: { وَمَآ أَدْرَاكَ } أي: أيّ شيء أعلمك من مقتضيات بشريتك ولوازم ناستوك { مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } [القدر: 2] إذ هي خارجة عن مدارك عالم الناسوت.
ثمَّ بيَّنها سبحانه على مقتضى أفهام البشر ومداركهم، فقال: { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر: 3] من أيام عالم الشهادة ولياليها؛ إذ { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } أي: سكان سواد الأعظم اللاهوتي { وَٱلرُّوحُ } الأمين، المدبِّر لأمور أشباح عالم الناسوت { فِيهَا } أي: من تلك الليلة، ونزولهم فيها إنما هو { بِإِذْنِ رَبِّهِم } يأمرهم بالنزول فيها، ومع كل منهم { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } [القدر: 4] من الأمور الجارية في عالم الشهاة.
{ سَلاَمٌ } وتسليم من قِبل الحق يسلم لهم سبحانه، ويفوض إليهم أمرهم على مقتضى حكمته المتقنة؛ ليقوم كل منهم به، ويحسن تدبيره على الوجه الذي أمر به، وبالجملة: { هِيَ } أي: حالهم وشأنهم هذا وهكذا { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } [القدر: 5] أي: إلى طلوع شمس الذاتية الإلهية، المفنية بأشعتها الذاتية عموم أضواء الأظلال والعكوس مطلقاً.
كأن ليلة القدر التي سُترت في خلال ليالي السنة، أو في ليالي شهر رمضان، أو في ليالي العشر الأخير منها - على ما قيل - هي منتخبة ممثلة من تلك الليلة القدرية، الغيبية العمائية، اللاهوتية؛ لذلك ما عينها الشارع وما عرفها، بل أبهمها وأخفاها.
قيل: في تلك الليلة يقدَّر عموماً أحوال تلك السنة، وجميع ما يجرى فيها من الحوادث الكائنة، كما أن في أصلها ومنشئها التي هي ليلة القدر الغيبي، متى يقدَّر عموم المقادير الكائنة أزلاً وأبداً؛ لذلك من أحياها، فقد فاز بخيري الدارين.
رزقنا الله وجدها والوصول إليها والتحقق دونها.
خاتمة السورة
عليك أيها العازم القاصد لإحياء تلك الليلة وإدراكها أن تشمر ذيلك لإحياء عموم الليالي الآتية عليك في أيام حياتك؛ إذ هي مستترة فيها، وبالجملة: لا تغفل عن الله في جميع حالاتك حتى تكون عموم لياليك قدراً خيراً من الدنيا وما فيها.