التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ
٢٨
فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ
٢٩
هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٣٠
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٣١
فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ
٣٢
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٣٣
-يونس

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن حشر جميعهم ونشر صنيعهم بقوله تعالى: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } [يونس: 28] إلى قوله: { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [يونس: 30]، { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } أي: اجتماع أوراح الإنسان وحقائق الأشياء التي تعبدونها من دون الله مثل الدنيا والهوى والأصنام، { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ } [يونس: 28] أي: تخاطب أرواح المشركين بأن قفوا مكانكم أي: المكان الذي اخترتم بالجهل بعد إذ كنتم علويي المكان.
{ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } [يونس: 28] أي: انزلوا أنتم وشركاؤكم إلى المكان السفلي وهو مكان شركائكم إذ تعلقتم بهم، { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس: 28] أي: فرقنا بين المشركين وشركائهم بأن نعذب المشركين بعذاب العبد والطرد عن الحضرة وألم المفارقة وحسرة إبطال استعداد المواصلة ولا نعذب الشركاء بهذه العقوبات لعدم استعدادهم في قبول كمال القرب { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } [يونس: 28] بل كنتم تعبدون هواكم لأنه ما عبد في الأرض إله ابغض إلا بالهوى فلهذا قال صلى الله عليه وسلم:
"ما عبد في الأرض إله أبغض على الله من الهوى" .
وقال تعالى: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الجاثية: 23]، { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } [يونس: 29]، فيما شاهد { إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } [يونس: 29] أي: كنا في غفلة عن ذوق عبادتكم إيانا وحفظها ومشربها؛ بل كان الحظ والمشرب والذوق لهواكم في استيفاء اللذات والشهوات والتمتعات الدنيوية والأخروية عند عبادتنا بلا شعور منا بخلاف عبادة الله، فإن في عبادة الله رضاه وشعوره بها ومنه المدد والتوفيق وعليه الجزاء والثواب، { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } [يونس: 30] أي: في ذلك الحال تبتلي كل نفس ما قدمت من التعلقات بالأشياء والتمسكات بها، { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } [يونس: 30] في الحكم والقرب والبعد واللذة والألم { مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } [يونس: 30] أي: متوليهم في ذلك هو الله أي: في إذاقة اللذات من القرب والألم من البعد لا غيره من الشركاء، { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [يونس: 30] أن للشركاء أثراً في القربة والشفاعة.
ثم أخبر عن مولاهم ليكون به تولاهم بقوله تعالى: { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [يونس: 31] إلى قوله: { لاَ يُؤْمِنُونَ } [يونس: 33]، { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي: من ينزل من سماء النفس مطر الهواجس، ويخرج من أرض القلب نبات الأفعال والأعمال، وأيضاً من سماء القلب مطر آثار فيض الروح، ويخرج من أرض القلب عيان صفات البشرية الحيوانية، ومن سماء الروح مطر فيض الروح، ويخرج من أرض القلب نبات الأوصاف الحميدة.