التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
قوله تعالى: { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ } يشير إلى رزق القلوب والأرواح فضلاً عن رزق النفوس والأشباح من الواردات الروحانية والشواهد الربانية التي ترد على القلوب الصافية المتوجهة إلى الحضرة وتشاهد الأرواح الزكية مشاهد العزة ومواهب الحكمة.
{ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً } [يونس: 59] أي: على أنفسكم لخيانة أنفسكم وركاكة عقولكم ودناءة همتكم، { وَحَلاَلاً } [يونس: 59] على أرباب القلوب النقية وأصحاب الهمم العلية أي: حديث أنفسكم بأن تحصيل هذه السعادة ونيل هذه الكرامات ليس من شأنها، وإنما هو من شأن الأخبار والكبراء وخواص الأولياء والأنبياء.
{ قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } [يونس: 59] أن تعرضوا عن هذه المقامات العلية والأحوال السنية وتجبلوها إلى غيركم وتركنوا إلى الدنيا وزخارفها، { أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } [يونس: 59] بأنه تعالى اختص قوماً بالدعوة إلى هذه الدرجات الرفيعة دوننا، بل عمت دعوته لقوله: { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [يونس: 25]، وقوله تعالى: { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ } [إبراهيم: 10].
{ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [يونس: 60] أي: وما ظن أهل الافتراء عند كشف الغطاء عن درجات أرباب الولاء ودركات عبدة الأهوال لا يتبدلون بعذاب الحرمان وسوء عاقبة أهل الخذلان، { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } [يونس: 60] بمساواة الاستعداد في قبول الفيض، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } [يونس: 60] بأن يصرفوا استعدادهم في تعرض نفحات الألطاف التي هي دائمة الهبوب من منهات العناية وعلمه تعالى.
{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } [يونس: 61] أي: يا محمد، { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ } التي هي مختصة بك، { وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ } أي: من شأن النبوة، { مِن قُرْآنٍ } [يونس: 61] تقرأه عليهم، { وَلاَ تَعْمَلُونَ } [يونس: 61] يا أمة محمد، { مِنْ عَمَلٍ } [يونس: 61] أي: من أعمال الأمة ومن قبول القرآن ورده.
{ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } [يونس: 61] أي: شاهداً على أعمالكم، { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } [يونس: 61] أي: تسرعون فيه بنياتكم في القبول والرد والعمل به، { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ } [يونس: 61] ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه وقرأ الكسائي بكسر الزاي هنا، { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ } [يونس: 61] عمَّا ظهر من حركة أرض البشرية بعمل من أعمال الخير والشر، { وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [يونس: 61] أي: سماء القلوب بالنيات الفاسدة، { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ } [يونس: 61] أي: من الحركة وهو القصد دون الفعل، { وَلاۤ أَكْبَرَ } [يونس: 61] أكبر في النية وهو العمل، { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [يونس: 61] أي: في أم الكتاب الذي هو عنه في الأزل إلى الأبد.