التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ
٥٩
وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ
٦٠
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٦١
-يونس

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

قوله تعالى: { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ } يشير إلى رزق القلوب والأرواح فضلاً عن رزق النفوس والأشباح من الواردات الروحانية والشواهد الربانية التي ترد على القلوب الصافية المتوجهة إلى الحضرة وتشاهد الأرواح الزكية مشاهد العزة ومواهب الحكمة.
{ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً } [يونس: 59] أي: على أنفسكم لخيانة أنفسكم وركاكة عقولكم ودناءة همتكم، { وَحَلاَلاً } [يونس: 59] على أرباب القلوب النقية وأصحاب الهمم العلية أي: حديث أنفسكم بأن تحصيل هذه السعادة ونيل هذه الكرامات ليس من شأنها، وإنما هو من شأن الأخبار والكبراء وخواص الأولياء والأنبياء.
{ قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } [يونس: 59] أن تعرضوا عن هذه المقامات العلية والأحوال السنية وتجبلوها إلى غيركم وتركنوا إلى الدنيا وزخارفها، { أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } [يونس: 59] بأنه تعالى اختص قوماً بالدعوة إلى هذه الدرجات الرفيعة دوننا، بل عمت دعوته لقوله:
{ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [يونس: 25]، وقوله تعالى: { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ } [إبراهيم: 10].
{ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [يونس: 60] أي: وما ظن أهل الافتراء عند كشف الغطاء عن درجات أرباب الولاء ودركات عبدة الأهوال لا يتبدلون بعذاب الحرمان وسوء عاقبة أهل الخذلان، { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } [يونس: 60] بمساواة الاستعداد في قبول الفيض، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } [يونس: 60] بأن يصرفوا استعدادهم في تعرض نفحات الألطاف التي هي دائمة الهبوب من منهات العناية وعلمه تعالى.
{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } [يونس: 61] أي: يا محمد، { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ } التي هي مختصة بك، { وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ } أي: من شأن النبوة، { مِن قُرْآنٍ } [يونس: 61] تقرأه عليهم، { وَلاَ تَعْمَلُونَ } [يونس: 61] يا أمة محمد، { مِنْ عَمَلٍ } [يونس: 61] أي: من أعمال الأمة ومن قبول القرآن ورده.
{ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } [يونس: 61] أي: شاهداً على أعمالكم، { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } [يونس: 61] أي: تسرعون فيه بنياتكم في القبول والرد والعمل به، { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ } [يونس: 61] ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه وقرأ الكسائي بكسر الزاي هنا، { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ } [يونس: 61] عمَّا ظهر من حركة أرض البشرية بعمل من أعمال الخير والشر، { وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [يونس: 61] أي: سماء القلوب بالنيات الفاسدة، { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ } [يونس: 61] أي: من الحركة وهو القصد دون الفعل، { وَلاۤ أَكْبَرَ } [يونس: 61] أكبر في النية وهو العمل، { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [يونس: 61] أي: في أم الكتاب الذي هو عنه في الأزل إلى الأبد.